نال الأخ أسامة الأنصاري عضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال والمحامي بهيئة المحامين بالرباط، شهادة الدكتوراه في الحقوق تخصص العلوم القانونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، بميزة مشرف جدا، في موضوع 'تنازع الاختصاص النوعي بين المحاكم الإدارية والمحاكم العادية "دراسة على ضوء الاجتهاد القضائي" تحت إشراف الأستاذ الدكتور فريد الباشا، وأمام اللجنة المركبة من الأساتذة الدكتورة رجاء الناجي رئيسة، وفريد الباشا عضوا ومشرفا، فتح الله المنوالي عضوا، ومحمد جمال معتوق عضوا، وذلك يوم الاثنين 26 نونبر 2018 بالمدرج 1 بمقر الكلية الكائن بأكدال الرباط.
وقد أستحضر الأستاذ الأنصاري في ملخص أطروحته مجموعة من الإشكاليات التي تثيرها جزئية قانونية مسطرية مهمة والتي قد يتوقف عليها مصير الدعوى برمتها، ألا وهي الاختصاص النوعي للمحاكم الذي تفاقمت اشكاليته بظهور المحاكم المتخصصة سواء منها المحاكم الإدارية وكذا المحاكم التجارية.
وهكذا خلص الأخ الأنصاري إلى أن المغرب يتبنى نظام القضاء الجديد الموحد، الذي لا يعتمد على ازدواجية القضاء، وما يستتبعه من ازدواجية المسطرة، مشيرا إلى نظام القضاء الموحد الذي يترتب عنه وحدة المسطرة المتبعة أمام المحاكم بغض النظر عن موضوع الدعوى، سواء كان مدنيا أو إداريا أو تجاريا، إلا أن المشرع المغربي، وتحت ضغط الواقع، قرر أن يخفف من بسط مبدأ وحدة القضاء وذلك باعتماده نظام (القضاء المتخصص) بإنشائه للمحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.
وتطرق الطالب الباحث في الباب الثاني للإشكاليات التي يثيرها تنازع الاختصاص النوعي وكيفية التعامل القضائي معه، ذلك أن إحداث المحاكم الإدارية قد شكل بالفعل طفرة نوعية في مجال الحقوق والحريات، وتدعيم المسار الديمقراطي وتحقيق مصالحة حقيقة بين الإدارة والمواطن، وأدى إلى خلق مناخ يشعر فيه هذا الأخير بأن هناك جهازا قضائيا متخصصا وفعالا يمكن أن يلجأ إليه المرتفق لاقتضاء حقه دون أي عقدة نقص أو شعور بالدونية، وذلك متى اعتقد أن الإدارة قد تطاولت على حق من حقوقه أو تجاوزت سلطاتها وتعسفت فيها، كما جعل الإدارة تتحرى المشروعية في قراراتها وتصرفاتها ما دامت تعلم مسبقا أن هناك قضاء متخصصا قد يراقب تصرفاتها وقراراتها ويرجعها إلى جادة الصواب متى حادت عن المشروعية.
وأضاف الأستاذ أسامة الانصاري في عرضه ان القضاء الإداري هو قضاء متجدد ومتحرك وخلاق، فالقاضي الإداري ليس هو قاضي الحياد السلبي بل إن له دورا إيجابيا في تجهيز الملف واستجماع العناصر والبحث فيه وصولا إلى مرحلة البت، لكن تواجد هذا القضاء في مناطق متباعدة، قد يحد من إقبال المرتفقين عليه، مما يطرح التساؤل حول دور الدولة في تقريب هذا المرفق من العموم، واستفادتهم منه، وهنا يمكن اقتراح إحداث أقسام إدارية متخصصة لدى المحاكم الابتدائية من أجل تقريب الإدارة من المواطنين وإيصال الحقوق لأصحابها.
بالإضافة لما سبق، يشير الطالب الباحث إلى ملاحظة بخصوص إحداث المحاكم المتخصصة سواء الإدارية أو التجارية، الذي أدى إلى إثارة العديد من الإشكاليات النابعة من الصياغة الغير الدقيقة للنصوص القانونية، أو بالأحرى إلى صياغة لم تراعي تجانس النصوص القانونية فيما بينها، مما أدى إلى نوع من التضارب بين هذه النصوص في مسألة الاختصاص النوعي، وأدى بالتالي إلى تقاطع اختصاص كل من المحاكم الإدارية والمحاكم العادية والمحاكم التجارية خصوصا في بعض المواضيع والقضايا التي أفرزها الواقع العملي والتطور المجتمعي.
واستطرد الأخ الأنصاري قائلا إن تحديد ولاية جهة قضائية معينة للبت في النزاع وبسط يدها عليه، من الأمور الأساسية التي قد تؤدي لعدم احترامها لضياع الحق، ذلك أنه قبل إحداث المحاكم الإدارية والتجارية لم يكن للدفع بعدم الاختصاص النوعي أية أهمية تذكر على اعتبار أن المحاكم الابتدائية كانت لها الولاية العامة للبت في جميع القضايا المدنية والإدارية والتجارية طبقا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، لكن بعد إحداث (المحاكم الإدارية والتجارية) بدأت تطرح على القضاء بمختلف أنواعه مجموعة من الإشكاليات تتعلق بالإختصاص النوعي، والتي ترجع أساسا إلى اختلاف القراءات عند تطبيق وتنزيل المقتضيات القانونية التي وردت في القانون المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية وقانون المسطرة المدنية والقانون القاضي بإحداث المحاكم التجارية.
وأوضح الأستاذ أسامة الانصاري أن التداخل المطروح لم يقتصر على تحديد الجهة المختصة بالبت في الدعوى، بل طال مسطرة البت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي في حد ذاتها، حيث تطرق لها المشرع في الفصل 17 من قانون المسطرة المدنية، وفي المادة 13 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية، والمادة 8 من القانون المنظم للمحاكم التجارية، ولكل من هذه المواد مقتضيات خاصة بها، مما أدى إلى تضارب العمل القضائي بشأنها حول من لها الأسبقية والأحقية في التطبيق. إضافة إلى إشكالية الإحالة على المحكمة المختصة، فبعد البت في الاختصاص من طرف المحكمة المثار أمامها النزاع، سواء باختصاصها أو عدم اختصاصها، تثار مسألة الإحالة على المحكمة المختصة.
وهنا يتبين، يضيف الطالب، بأن جزءا كبيرا من الإشكال نابع من النصوص القانونية المنظمة للإختصاص النوعي في حد ذاتها، وهو ما يتطلب تدخل المشرع لحسم هذه الإشكاليات، مع الاسترشاد بما جرى عليه عمل واجتهاد المحاكم الإدارية في هذا المجال.
واستحضر الطالب في اطروحته مسألة التوفيق بين مراعاة التطبيق الحرفي للنصوص القانونية المتعلقة بالإختصاص النوعي حتى وإن تبين أن مثيرها يقصد التمطيط والتسويف، وبين مراعاة ضرورة صدور الأحكام القضائية في اجل معقول. ذلك أن حق المواطن في الأمن القضائي والحق في صدور الأحكام داخل الأجل المعقول أضحت من المبادئ الدستورية التي نص عليها دستور 2011، مما يطرح التساؤل حول مفهوم الأجل المعقول، وكيف يمكن للقاضي أن يدبر (وقت) المنازعة، علما بأنه ليس هو الفاعل الأساسي في هذه المسطرة، بل هناك قوانين ومساطر ملزمة له، وهناك ممارسات أطراف النزاع.
ويرى الأستاذ أسامة الانصاري في أطروحته أنه من المستحسن أن يضم الدفع المتعلق بالاختصاص إلى الجوهر في الحالة التي يكون فيها وجه الاختصاص محسوما بقرارات متواترة لمحكمة النقض تفاديا لكل تماطل أو تسويف، سيما وأن محكمة النقض قد لا يتأتى لها أن تتقيد بآجال البت في الطعن بالاستئناف حول الاختصاص.
وأكد الباحث في ختام أطروحته بضرورة وجود تدخل تشريعي لخلق التجانس بين المقتضيات الواردة في قانون المسطرة المدنية، والمقتضيات المنظمة للاختصاص النوعي الواردة سواء في القانون المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية أو المحاكم التجارية.