خلال جلسة الأسئلة الشفوية المنعقدة يوم الاثنين 6 يوليوز 2020 بمجلس النواب، تدخل الفريق الاستقلالي ، حيث تناول الكلمة الأخ طارق قديري حول " خطة الحكومة لإنعاش منظومة الصناعية والتجارية الوطنية بعد الأزمة الناتجة عن جائحة كوفيد 19، مسجلا في البداية استغراب الفريق الاستقلالي ورفضه لمضامين منشور السيد رئيس الحكومة القاضي بتوقيف التوظيف برسم السنة المقبلة، معتبرا أن هذا القرار متسرع ويضرب في العمق أحلام وحقوق عشرات آلاف الشباب المغربي من حاملي الشهادات، ولا يعدو أن يكون حلا سهلا لجأت اليه الحكومة التي كان من المفروض أن تكون حكومة الابداع والكفاءات، كما أمر بذلك جلالة الملك شفاه الله وحفظه.
وأبرز الأخ النائب أن جائحة كورونا خلفت وستخلف آثارا اقتصادية واجتماعية عميقة، لكن كما يقال "رب ضرة نافعة" فالدروس التي استقيناها منها خلال الثلاث أشهر الماضية بليغة ومهمة، ويجب أن تكون حافزا لنا، من أجل اعتماد رؤية استراتيجية محكمة للتسريع الصناعي الوطني، الكفيل بخلق التوازن المنتظر في بنية الاقتصاد المغربي، الذي لا يزال للأسف الشديد، رهينا بالقطاع الفلاحي والتساقطات المطرية، ويفتقر لصناعة حقيقية قادرة على ضمان الأمن الصناعي الوطني.
وأكد عضو الفريق الاستقلالي الحاجة إلى الامن الصناعي، مشيرا إلى أن الذاكرة الجماعية لن تنسى كيف تسابقت الدول لاعتماد سياسة حمائية صارمة، ورفضت بقسوة تصدير كثير من المعدات التي كانت تبدو عادية وسهلة الاستيراد، كأجهزة التنفس الصناعي ومعدات الوقاية والكمامات الطبية، قبل ان نكتشف جماعيا ان ببلادنا طاقات وكفاءات قادرة على الخلق والابداع والتصنيع المحلي بل وبكميات كافية و قابلة للتصدير.
وأوضح أن الامن الصناعي لن يتحقق الا اذا اعترفنا اولا ان نسيجنا الصناعـي الوطنـي لازال ضيقا ومشـتتا وقليـل المرونـة وضعيـف الابتكار، عماده قطاعات صناعية كلاسيكية، باستثناء النمو المهم الذي سجلته بعض الصناعات التي استوطنت في المناطق الحرة (كصناعة الطيران والسيارات وترحيل الخدمات) والتي تعتمد على العمالة الاقل تكوينا وبأقل كلفة لصناعات تقليدية خارجية، مضيفا أن هذا التقييم مؤلم وموضوعي، تبقى جائحة كورونا بريئة منه، لانه نتيجة سنوات من الهدر والإهمال في هذا المجال الحيوي.
وذكر عضو الفريق الاستقلالي أن الدول الصناعية والصاعدة تعيش اليوم، الثورة الصناعية الرابعة، والتي تحدث يوميا تغيرات عميقة في أنماط الاستهلاك والانتاج حيث تهيمن التيكنولوجيا الدقيقة والرقمية، والإنتاج باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الابعاد وإدماج الاجهزة المتصلة، ومجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتنظيم مجال الشغل.
وأبرز الأخ قديري أن الانحسار الذي وصل اليه النموذج التنموي المعتمد ببلادنا، والذي لم يعد قادرا على الجواب على كثير من المعضلات الاجتماعية المتفاقمة وعلى رأسها توفير العدد الكافي من مناصب الشغل بالموازاة مع الارتفاع المضطرد لنسبة الساكنة النشيطة ببلادنا، يعود بالأساس الى فشل الحكومة في تحقيق القطيعة مع النموذج الصناعي القائم ببلادنا، والذي لازال يعتمد على صناعة اتكالية أو مستوردة، فالتحول الجذري الذي تعيشه الصناعة العالمية اليوم يعتمد أساسا على الابتكار والتطوير والبحث العلمي وبراءات الاختراع واحتضان النوابغ والمخترعين، في الوقت الذي تشهد فيه بلادنا هجرة كبيرة للأدمغة، في ظل هزالة ما تخصصه الحكومة لقطاع البحث العلمي الذي لا زالت نسبته الى الناتج الداخلي الاجمالي لم تصل حتى الى ربع ما تخصصه الدول الصاعدة.
وأضاف الأخ النائب أن التوجه الحكومي يسبب هدرا للطاقات المغربية التي تهاجر سنويا بحثا عن محتضنين متربصين بالكفاءات المغربية، في الوقت الذي لازلت فيه مراكز البحث العلمي في الجامعات المغربية تعاني من ضعف الوسائل والآليات والاعتمادات المخصصة للباحثين، خاصة في ظل الصعوبات التي يواجهها المركز الوطني للبحث العلمي والتقني في علاقته مع مراكز البحث المنتشرة في عموم الجامعات المغربية، ليضطلع بدوره كمنسق للبحث العلمي على الصعيد الوطني، مسجلا أن التحول الصناعي المنشود لن يتحقق الا اذا تملكت الحكومة ثقافة حقيقية لتقدير الابتكار باعتباره رأسمال حقيقي فضلا على تشجيع القطاع الخاص على بناء منظومته للبحث العلمي، ويكفي هنا ان نذكركم ان براءة اختراع واحد قد تعادل الناتج الداخلي لبلادنا لسنة كاملة كذلك الذي ساهم فيها مبدئيا المكتشف المغربي البروفيسور الرائد رشيد اليزمي الذي حرم من جائزة نوبل للكيمياء لأسباب غريبة، لكنه كسب تقدير واحترام أمة، وهو ما يسائل في العمق منظومتنا لحماية الملكية الفكرية التي تحتاج الى ثورة حقيقية
وردا على تدخل السيد الوزير، أبرز الأخ قديري أن مضمون هذا التدخل لا يمت بصلة الى استراتيجية صناعية قادرة على ان تجعل من المغرب أمة صناعية مستقبلية، فطموح تحقيق بلادنا لرؤية المغرب4.0 لا يمكن ان يتحقق:
ـ إلا إذا حسمتم إرادتكم السياسية لتحقيق حكامة مستدامة وممأسسة، مرتكزة على التخطيط الاستراتيجي والتقنين والدعم والتحفيز والقطع مع اقتصاد الريع والمحسوبية الذي يأخذ في مجمله طابعا قانونيا وهي أمور بعيدة المنال في غياب اصلاح حقيقي للادارة يقطع مع الازدواجية والبيروقراطية.
ـ لن يتحقق الا اذا حسمتم مع مطلب الاصلاح الضريبي الذي يجب أن يضع حدا للاستثناءات الضريبية العشوائية، والنفقات الجبائية التي لا تحقق عائدا ذا قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، مع التركيز على تحقيق التمييز الايجابي للجهات الاقل تنمية لتدارك حجم الفوارق المجالية وامتصاص البطالة وخاصة عبر اعفاء حصة الارباح التي يتم اعادة استثمارها بتلك الجهات.
ـ لن يتحقق الا إذا آمنتم بأهمية الدور الحيوي للجهات في بناء منظومة صناعية وطنية، تمنح الجهات مسؤولية قوية على مستوى توجيه وتنفيذ عمليات التهيئة الصناعية، وهو أمر بعيد المنال خاصة في ظل ضعف الصلاحيات والوسائل الممنوحة للجهات وغياب ارادة حكومية حقيقية لنقل الاختصاصات او تفعيل الاختصاصات المشتركة، وهوما سيكرس للأسف الشديد مزيدا من التركيز الصناعي في جهات محددة دون أخرى، مما يساهم في تكريس الفوارق المجالية ويهدر كثيرا من الامكانيات الصناعية المهمة في جهات أخرى.
ـ لن يتحقق الا اذا تملكت الحكومة رؤية استراتيجية واستباقية للخريطة الصناعية والمناطق الصناعية تراعي التكامل الجهوي، وتشجع على المبادرة والاستثمار الصناعي المبدع، خاصة لفائدة المقاولات الصناعية الصغرى والمتوسطة، وتمنح الاولوية الفضلى للشباب.
ـ لن يتحقق الا إذا أولت الحكومة العناية اللازمة بتطوير جودة التكوين المهني وتوسيع قاعدة انفتاحه على المهن العالمية الجديدة علما أن 70 بالمائة من المهن التي تدرس اليوم ستختفي أو تتناقص أهميتها في سوق الشغل في أفق سنة 2030، فضلا عن ضمان الحق في التكوين مدى الحياة والذي صادق البرلمان على قانونه المنظم قبل سنتين دون أن يحقق ما وعدتم به من ضمان التكوين المستمر ل 10 ملايين مواطن.
ـ لن يتحقق الا اذا عملت حكومتكم على تملك ثقافة حقيقية للديموقراطية التشاركية عبر اشراك واسع للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في بلورة الاستراتيجية الصناعية ومواكبتها بدل جعل العمل النقابي عبئا تقنيا ومحاولة محاصرته بقوانين ستجعل من بلادنا نموذجا جديدا للسخرة الصناعية لليد العاملة الرخيصة وغير المؤهلة.
ـ لن يتحقق الا إذا استثمرت الحكومة البعد الافريقي للمغرب باعتبارها قاعدة جيواقتصادية مستقبلية واعدة، وذلك عبر بناء قاعدة صلبة لفاعلين صناعيين موجهة نحو افريقيا، وقادرة على قراءة حاجيات هذه المنطقة خاصة لفائدة المقاولات الصناعية الصغرى والمتوسطة مع ما يستلزم ذلك من بنية قانونية ومهنية متكاملة لتشجيع التصدير.
ـ لن يتحقق الا اذا وضعتم سياسة واضحة وجريئة لتشجيع التمويل الصناعي عبر مزيد من الشراكات (عام – خاص) تأخذ بعين الاعتبار المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
ـ لن يتحقق الا اذا هيأت الحكومة شبكة للهندسة في خدمة الصناعة مع دعم توحيد معايير الجودة ودعم هوية "صنع بالمغرب".
واختتم عضو الفريق الاستقلالي تدخله بالقول إن بناء نموذج تنموي جديد لبلادنا، لابد أن ينطلق من بناء اقتصاد قوي معتمد على التنوع والتكامل وخاصة على مستوى بناء صناعة وطنية قوية ومتطورة ومنخرطة في التحول الصناعي الذي يشهد العالم، وهو يستلزم منكم الانتقال نحو سرعة أكثر بعيدا عن الصراع الذي يأكل من زمن التطور ويفرمل القدرات، ويمنع تحرير الطاقات والمبادرات، وفي انتظار أن تتوفر حكومتكم على استراتيجية صناعية حقيقة تواكب تحول العالم في هذا المجال.