عقد مجلس النواب جلسة عمومية خصصت للتصويت على الجزء الثاني من مشروع قانون المالية 2020 وقد تميزت هذه الجلسة بالتدخل الذي تقدم به الأخ لكبير قادة في مناقشة الميزانيات الفرعية التابعة للقطاعات الاجتماعية والتعليم والثقافة والتي صوت عليها الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بالرفض.في ما يلي نص تدخل الأخ قادة:
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في إطار مناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الاجتماعية، وهي القطاعات التي تعني بصفة مباشرة فئات عريضة من الشعب المغربي، وخاصة الطبقات الفقيرة والهشة، والتي تنتظر بفارغ الصبر أن يجمل هذا
ا المشروع بعضا من التغيير على واقع بئيس تعيشه هذه القطاعات، التي أضحت بحق نقطة سوداء في عمل حكومتكم..
على مستوى قطاع الصحة:
إننا نسجل وبكل أسف تردي خدمات القطاع وواقع الإختلالات التي تشوبه، ولعل وقوف المجلس الأعلى للحسابات على مجموعة من الملاحظات اكبر دليل على أن الصحة تعاني من أمراض مزمنة متراكمة تدعو للقلق وتستدعي التدخل السريع لمعالجتها، والتي سبق أن وقف عندها المجلس في تقريره السابق، وهو ما نجده يتكرر في هذا التقرير خاصة ما يتعلق بسوء تدبير مخزون الأدوية والمواد الصيدلية الذي ينتج عنه ارتفاع في تكاليف ميزانية الأدوية للوزارة بالإضافة إلى ملاحظات أخرى وقفنا عندها بشكل دقيق داخل اللجنة. وهذا يدل على أن الوزارة لم تحرك ساكنا لتجاوز الاختلالات والمعضلات التي تشل قاعدة الخدمات الصحية ببلادنا.
لقد شكلت التغطية الصحية الشاملة وسيلة وهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة، لكن يؤسفنا تقاعس الحكومة في تنزيل النصوص التطبيقية لمجموعة من القوانين التي صادق عليها البرلمان سواء خلال الولاية السابقة او الحالية والمرتبطة أساسا بتفعيل التغطية الصحية وتعميمها على فئات المستقلين والمهن الحرة وفئات الأجراء، وهو أمر ينسحب ايضا على نظام التغطية الصحية "راميد" الذي أضحى هو نفسه يحتاج إلى عملية مستعجلة بعدما أصبحت بطاقته لا تغني فائدة وبعد تحولت المواعيد من الأسابيع الى الأشهر، وبعد أن أصبحت المستشفيات بنايات خالية من الأدوية خاصة الاستعجالية ومن المعدات الطبية والاطر الطبية، بفعل الضغط المرتفع بعد ان اصبح عدد حاملي هذه البطاقة يتجاوز 14 مليون مواطن مما يؤشر بوضوح على ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة.
نظام لم ندخر أي جهد في إمداد الحكومة باقتراحات عديدة من شأنها ان ترفع المعيقات والأعطاب التي يواجهها على الأقل من الناحية الهيكلية وفي هذا الإطار لقد سبق لنا بالفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية ان تقدمنا بمقترح قانون يقضي بإحداث هيئة مستقلة لتدبير نظام المساعدة الطبية، وهو نفس التوجه الذي جاء في عرضكم السيد الوزير بمعنى أن الحكومة كانت ستستفيد من زمن الإصلاح لو أنها تبنت المقترح في حينها.
كما لا تفوتنا الفرصة لنعرج على الوضعية الكارثية للمستعجلات والتي تعرف مجموعة من الإشكالات من نقص الأطر الطبية وشبه طبية، الخصاص المهول على مستوى أطباء التخصص، سيارات إسعاف غير مجهزة نقص في الموارد البشرية، ضعف مخزون الدم، غياب الأدوية ومادة الأكسيجين، وضع مترد وكارثي بسبب المفارقة الكبيرة بين العرض والطلب، لذلك السيد الوزير نرى إن وضعية المستعجلات لابد من جعلها ضمن اولوياتكم لتحسينها باعتبارها واجهة القطاع الأولى التي تقيس نجاح السياسة الصحية.
على مستوى قطاع التعليم
وإذا كانت الصحة تشكل بحق نقطة سوداء في عمل هذه الحكومة، فإن وضعية قطاع التعليم ببلادنا تدعو لكثير من القلق، قلق يعززه اقتناعنا الكبير أن لا مستقبل لوطننا الا بالاستثمار في العنصر البشري، وهو ما لا تحققه بكل أسف منظومة التعليم الوطنية، حيث أصبحت المدرسة العمومية على هامش التنمية ولم تعد تلك البوابة التي تحقق الارتقاء الاجتماعي، بل إننا أصبحنا اليوم وأمام تغول التعليم الخاص، امام تعليم طبقي جديد.
وهنا يلزم أن ننبه الحكومة أن اعتمادها نظام التعاقد في قطاع التعليم يضر المنظومة في الجوهر على اعتبار أن نساء ورجال التعليم هم عماد أي اصلاح منشود، فكيف يمكن أن نعبئ طاعات الاف الشباب من نساء ورجال التعليم في الوقت الذي لا نحقق لهم منظومة مستقرة، وكيف يمكن ان نتقبل أن تدرج ميزانية الأساتذة ضمن النفقات والمعدات المختلفة، لذلك فإن أحد أولى الأولويات هو إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم، وضمان كل الظروف المادية والقانونية لأداء مهامهم الوطنية في أحسن الظروف.
لقد تعبنا من تكرار المشاكل البنيوية لقطاع التعليم من اكتظاظ ونقص في الموارد البشرية وتكوين مستمر لها، وتوفير الوسائل الديداكتكية الحديثة، وتأهيل المؤسسات المدرسية التي أضحت كثير منها غير صالحة للتدريس، فضلا عن النقص الحاد في الاطعام والنقل المدرسي، وسء انتشار المؤسسات التعليمية، خاصة بالعالم القروي وهو الامر الذي يستمر معه الهدر المدرسي في الارتفاع خاصة في صفوف الفتاة القروية التي تبقى بحق أكبر ضحية للمنظومة التعليمية الوطنية.
وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للتعليم المدرسي فإن قطاع التكوين المهني لا زال يرزح تحت وطأة مشاكل بنيوية بالرغم من الرعاية الملكية الكبيرة بهذا القطاع الذي دعا جلالته الى جعله قاطرة للتنمية المستدامة، وباقتضاب شديد لازالت شبكة المؤسسات التكوينية مركزة في جهات بعينها، في حين تفتقر أقاليم كثيرة لمؤسسات متخصصة في التكوين المهني خاصة تلك التخصصات المطلوبة في سوق الشغل، بل ان تخصصات كثيرة أضحت اليوم متجاوزة وتحيل مباشرة على البطالة حيث
اكد المندوبية السامية للتخطيط في تقرير لها حول التكوين المهني أن نسب البطالة في صفوف حاملي شواهد التكوين المهني أكبر بكثير من مثيلاتها في التعليم العام، دون أن ننسى غياب المواكبة في التكوين وضعف الأوراش وغياب او نقص المواد التطبيقية، وهو ما دفع إحدى المؤسسات المتخصصة في التشغيل الى الشكوى من جودة التكوين.
أما البحث العلمي، فيبقى خارج أجندة الحكومة بالرغم من أنه السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة على اعتبار أن مفتاح التقدم هو امتلاك التكنولوجيا، ويكفي ان نذكر الحكومة ان براءة اختراع واحد قد تدر مجموعة ميزانية الدولة لسنة كاملة، في الوقت الذي تستمر فيه عشرات الادمغة والمخترعين المغاربة في الهجرة بحثا عن بيئة حاضنة لأفكارها وابداعها واختراعاتها التي تقابل بكثير من التهميش واللامبالاة في وطنهم الام.
على مستوى قطاع التضامن والمرأة.
وككل سنة يؤسفنا أن نجدد تنبيه الحكومة إلى عدد من الظواهر الاجتماعية التي أصبحنا نعيشها بكل اسف داخل المجتمع المغربي من مسنين مهملين واطفال شوارع واغتصابات وتعنيف المرأة ومظاهر اجتماعية عديدة يندى لها الجبين، تجعلنا نبكي موروثنا الثقافي ومقاصد مجتمعنا المغربي المبني على التضامن والتكافل التي أبانت عليها أجيال متعاقبة، وفي هذا الصدد إننا ندعو الحكومة للبحث عن سبل إعادة الإعتبار للأسرة المغربية وان تكون موضوع ورش وطني يشارك فيه الجميع حكومة وبرلمانا واعلاما ومجتمعا مدنيا لبحث إشكالية التأطير وتقليص هذه الظواهر.
وهذا يحيلنا للتساؤل عن الغاية من مجموعة من القوانين الصادرة عن البرلمان ونذكر على وجه الخصوص المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة الذي لم يتم تفعيله إلى غاية اليوم إضافة إلى قانون مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
ان التحدي اليوم ليس فقط الرفع من الدور التي من شأنها ان تأوي هذه الشرائح العريضة المتخلى عنها بقدر ما نؤمن على أن التحدي الحقيقي والذي يلزم الوقوف عنده هو ايجاد تدابير لرعاية الفئات المحرومة من الأسر من جهة، وإعادة إدماج الفئات المهملة داخل أسرهم من جهة اخرى عن طريق تقوية التأطير وتعزيز معايير التضامن والتكافل العائلي، بهذا نكون فعلا نجحنا في حل المسألة الاجتماعية.
لا يمكن تلخيص معاناة الفئات ذوي الإحتياجات الخاصة في بضع دقائق او ساعات فبالإضافة الى معاناتها من ظلم الإعاقة التي اجتاحت أجسادهم يعانون من ظلم السياسات التي تعمق اقصاءهم وتهميشهم ومن شح الموارد المخصصة للنهوض بأوضاعهم، لذا نأمل أن تسرع الحكومة في إخراج بطاقة المعاق وتفعيل مناصب الشغل المخصصة لهم وتوسيع الولوجيات داخل المؤسسات والمرافق العمومية لتيسير استفادتهم من الخدمات إضافة إلى ضرورة تقديم إعانات لأسرهم لتشجيعهم على احتضانهم وتكوين مربيات خاصة لذوي إعاقة التوحد.
على مستوى قطاع الشغل والإدماج المهني:
ان معضلة البطالة أصبحت تنخر أمال و طموحات الشباب المغربي هذا الشباب المعول عليه لرفع رهان المستقبل، و الأمر يتفاقم بنسبة خطيرة لدرجة اصبح فيها الشباب يعبر عن تدمره في المحافل الكروية والرياضية بشعارات خطيرة يرفعها هؤلاء، ماهي الا تنبيه للحكومة لتتدخل بحزم لمعالجة الإشكالات وتوفير فرص الشغل كحق دستوري، ان الأرقام المخيفة تدل على ان برامج الحكومة في واد والتزاماتها في واد أخر..
وتدل هذه الأرقام على ان الخطابات الحكومية ماهي الا شعارات لا علاقة لها بالتدبير الحقيقي للملفات الكبرى التي وعدت بها المواطنين من خلال برامجها الانتخابية والحكومية، وهو ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية على فشل سياسة الشغل اساسا في العالم القروي الذي لا زال ينتظر الإنصاف، حيث سجل خلال الربع الثاني من سنة 2019 فقدان 125 منصب شغل بالوسط القروي و خلال الفصل الثاني من سنة 2019، تميزت وضعية سوق الشغل بمواصلة تراجع معدلات النشاط والشغل، بالإضافة إلى أن حجم السكان في سن النشاط، البالغين من العمر 15 سنة فما فوق، قد سجل ارتفاعا مقارنة مع الفصل الثاني من سنة 2018، بوتيرة أعلى من تلك التي عرفها حجم السكان النشيطين.
ولأن الثقة لا تأتي الا بالإجراءات الملموسة بدل الشعارات الرنانة، فإننا نعبر بكل أسف عن امتعاضنا من الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي وعدت من خلالها الحكومة بخلق 1 مليون و200 الف منصب شغل خلال اربع السنوات في الوقت الذي لا تمكن معدلات النمو المحققة الا من خلق 66 الف منصب شغل بدل 300 الف منصب شغل كما وعدت الحكومة.
هذا ونسجل الغياب التام للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل في العديد من المناطق القروية والتي طالبنا في مناسبات عديدة بتعميمها في العالم القروي و إمداد الموجودة بالموارد البشرية الكافية على الأقل لتساهم في توجيه طالب الشغل وتقديم المساعدة لهم. بالإضافة إلى مطالبتنا بتمثيلية الوزارة على مستوى الأقاليم علما ان التمثيلية الجهوية برهنت فشلها في القيام بدورها الكامل عبر تراب الجهة بسبب قلة الأطر.
أما بخصوص جهاز التفتيش فلابد أن ننوه بالعمل الجاد الذي يقوم به على مستوى ضبط الاحتقان الذي ينشأ في النزاعات الفردية والجماعية والوقوف على مدى احترام قوانين الشغل وحماية الأطراف، بالرغم من الاكراهات التي تعترضه من ضعف الموارد البشرية والخصاص في وسائل العمل وهذا يلزم الحكومة بضرورة التفاعل الإيجابي مع قضاياه وانتظاراته وتقويته حتى يتسنى له القيام بمهامه المنوطة به والتي تروم ضمان الحقوق الأساسية للأجراء باعتباره أحد عناصر القوة المشجعة على جلب الاستثمار الأجنبي وتوفير مناصب شغل ومواجهة البطالة.
قطاع الشباب والرياضة :
ان قطاع الشباب والرياضة يحضى باهتمام كبير داخل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية خاصة وان فئة الشباب تمثل الفئة العريضة الفاعلة في بناء المجتمعات وتنميتها، وهي القاعدة الهرمية المهمة لسكان المغرب نتيجة النمو الديموغرافي الذي يعرفه، ولهذا فأول ملاحظاتنا هي ضعف الميزانية المخصصة للقطاع والتي نجزم على انها لن تفي بالأهداف والمخططات المسطرة من جهة وأهداف وتوصيات الخطب الملكية التي بوأت الشباب مكانة مهمة من جهة أخرى، لذلك نتأسف لغياب برامج ذات إشعاع كبير للشباب تضمن صقل مواهبهم وتكييفهم السليم والملائم مع المجتمع وتحول بينهم وبين قوارب الموت، لهذا السيد الوزير نتساءل عن أسباب تأخر السياسة المندمجة للشباب، و نفس السؤال نطرحه بخصوص الهيئة الوطنية للشباب والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
كما لا تفوتني الفرصة السيد الوزير لتنبيه الحكومة في شخص قطاعكم بخطورة وضعية الشباب بالعالم القروي والمناطق النائية التي تعرف تغييبا للسياسات العمومية المتعلقة بالشباب والرياضة على حد سواء، شباب لايجد أمامه سوى الهجرة نحو المجال الحضري وهو ما يزيد تعميق اشكالاته وأزماته لهذا ندعو الحكومة في هذا الإطار الى تبني سياسة القرب عند برمجتها للبرامج والخطط المخصصة للشباب.
ان الرياضة لم تعد ترفا في المجتمعات بقدر ماهي سياسة عمومية ترمي لتحقيق السلم الإجتماعي و تخضع للتقييم وقياس الأثر على المستويين الاجتماعي والإقتصادي بل ايضا السياسي باعتبارها اداة تعتمدها الدول المتقدمة لتصريف مواقفها السياسية، ونحن ندعو الحكومة في هذا المقام لاعتبارها قاطرة لتحقيق التنمية عبر صناعتها للإبطال مما يلزمها بدل المزيد من الجهود لتشجيع المواهب الرياضية وتحقيق العدالة المجالية من خلال تعميم ملاعب القرب في المجالات الترابية القروية وخلق برامج رياضية ذات اشعاع قادر على انتشال الشباب من بؤر المخدرات والإجرام، كما نطالب بإعادة الاعتبار للرياضة المدرسية التي نعتبرها جزءا من التربية والتأطير الجسدي والنفسي للشباب، وتخليق الجامعات الرياضية ومحاربة لوبيات الفساد المستشرية في أجهزتها.
* على مستوى قطاع الثقافة:
فإننا نسجل بكلأ أسف، استمرار الحكومة الحالية في اعتبار قطاع الثقافة عبئا ميزانياتيا صرفا، يجانب المسار الذي تنحو اليه الدول المتقدمة في هذا المجال حيث لم تتجوز ميزانية هذا القطاع برسم السنة المالية المقبلة 782.3 مليون درهم، 330 منها فقط للاستثمار، وهو رقم بعيد جدا عن المتوسط العالمي للثقافة الذي يتجاوز 2.5 بالمئة على المستوى العالمي، بينما لن يتجاوز 0.5 بالمئة من الميزانية العامة للدولة ببلادنا شأنه شان البحث العلمي.
نعم السيد الوزير، ستبقى الثقافة في عهد حكومتكم تكرس لمزيد من الاندحار الثقافي وسترسخ مزيدا من الاستلاب الثقافي حيث سيستمر لامحالة هيمنة الأفلام والمسلسلات الأجنبية بما تحمله من قيم ثقافية وسلوكية لا تمت بصلة لواقعنا وإنسيتنا المغربية المتفردة، وسيستمر المسرح المغربي في رثاء أركانه وأعمدته التي تغادرنا في صمت وبألم كل يوم، بعدما عزف الشباب الهاو عن ممارسة هذه المهنة النبيلة التي تحيل مباشرة على الفقر والدموع والحسرة.
وسيستمر الكتاب المغربي في الندرة في مقابل هيمنة الكتب الأجنبية، بما يمثل ذلك من خطر اندحار منسوبية القراءة لدى كل الفئات وخاصة الشباب، وسيستمر تآكل التراث الثقافي الذي لازالت وزارتكم لم تنه حتى مرحلة إحصائه فبالأحرى تثمينه والعناية به ونشره، في مقابل تخصيص ملايين الدراهم لفنانين عالميين ومهرجانات تبقى غريبة عنا، وسيستمر الفنان المغربي في ركن الزاوية على هامش السلم الاجتماعي ببلدنا فقيرا منهكا، في مقابل تكريم خيالي للفنانين الأجانب على اختلاف جنسياتهم.
*على مستوى قطاع الاتصال:
ننبه الى الأوضاع الخطيرة التي تعيش على وقعها الصحافة الورقية خاصة في ظل تدهور نسبة المقروئية ببلادنا والتي لا تتجاوز بضع دقائق سنويا كمعدل عام فضلا عن المنافسة القوية للإعلام الالكتروني والقراءة المجانية للصحف الورقية في المقاهي إضافة الى الارتفاع المهول في سعر الورق وتراجع نسب الاشهار وهو الامر الذي يسائلنا جميعا اليوم، حول ضرورة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة والمستعجلة للرفع من دعم هذا القطاع، بما يحفظ استقلالية الصحافة الوطنية وخطها التحريري الذي اضحى جزء مهم منه رهينة للوبيات المال والسياسية تحت طائلة الاشهار.
وينبغي التشديد هنا ان دمقرطة توزيع الاشهار العمومي يعد في حد ذاته سؤالا مطروحا في ظل غياب العدالة التوزيعية باعتباره مالا عموميا وجب الحرص على ضمان تشفيف تعاملاته.
أما على مستوى الاعلام السمعي البصري فإنه للأسف الشديد لم يصل إلى تحقيق تنافسية مهمة خاصة مع التطور الكبير الذي يعرفه القطاع في دول المنطقة العربية ، والتي استطاعت قنواتها أن تحتل مساحة مهمة في السوق الوطنية سواء الترفيهية أو التنافسية أو الإخبارية ، وهو ما يسائلنا جميعا عن كل من موقفه عن سر محدودية تنافسية هذا القطاع وتجويد كفاءته المهنية وتعزيز استقلاليته بما يواكب التحديات التنافسية التي يواجهها .
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في إطار مناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات الاجتماعية، وهي القطاعات التي تعني بصفة مباشرة فئات عريضة من الشعب المغربي، وخاصة الطبقات الفقيرة والهشة، والتي تنتظر بفارغ الصبر أن يجمل هذا
ا المشروع بعضا من التغيير على واقع بئيس تعيشه هذه القطاعات، التي أضحت بحق نقطة سوداء في عمل حكومتكم..
على مستوى قطاع الصحة:
إننا نسجل وبكل أسف تردي خدمات القطاع وواقع الإختلالات التي تشوبه، ولعل وقوف المجلس الأعلى للحسابات على مجموعة من الملاحظات اكبر دليل على أن الصحة تعاني من أمراض مزمنة متراكمة تدعو للقلق وتستدعي التدخل السريع لمعالجتها، والتي سبق أن وقف عندها المجلس في تقريره السابق، وهو ما نجده يتكرر في هذا التقرير خاصة ما يتعلق بسوء تدبير مخزون الأدوية والمواد الصيدلية الذي ينتج عنه ارتفاع في تكاليف ميزانية الأدوية للوزارة بالإضافة إلى ملاحظات أخرى وقفنا عندها بشكل دقيق داخل اللجنة. وهذا يدل على أن الوزارة لم تحرك ساكنا لتجاوز الاختلالات والمعضلات التي تشل قاعدة الخدمات الصحية ببلادنا.
لقد شكلت التغطية الصحية الشاملة وسيلة وهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية المرجوة، لكن يؤسفنا تقاعس الحكومة في تنزيل النصوص التطبيقية لمجموعة من القوانين التي صادق عليها البرلمان سواء خلال الولاية السابقة او الحالية والمرتبطة أساسا بتفعيل التغطية الصحية وتعميمها على فئات المستقلين والمهن الحرة وفئات الأجراء، وهو أمر ينسحب ايضا على نظام التغطية الصحية "راميد" الذي أضحى هو نفسه يحتاج إلى عملية مستعجلة بعدما أصبحت بطاقته لا تغني فائدة وبعد تحولت المواعيد من الأسابيع الى الأشهر، وبعد أن أصبحت المستشفيات بنايات خالية من الأدوية خاصة الاستعجالية ومن المعدات الطبية والاطر الطبية، بفعل الضغط المرتفع بعد ان اصبح عدد حاملي هذه البطاقة يتجاوز 14 مليون مواطن مما يؤشر بوضوح على ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة.
نظام لم ندخر أي جهد في إمداد الحكومة باقتراحات عديدة من شأنها ان ترفع المعيقات والأعطاب التي يواجهها على الأقل من الناحية الهيكلية وفي هذا الإطار لقد سبق لنا بالفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية ان تقدمنا بمقترح قانون يقضي بإحداث هيئة مستقلة لتدبير نظام المساعدة الطبية، وهو نفس التوجه الذي جاء في عرضكم السيد الوزير بمعنى أن الحكومة كانت ستستفيد من زمن الإصلاح لو أنها تبنت المقترح في حينها.
كما لا تفوتنا الفرصة لنعرج على الوضعية الكارثية للمستعجلات والتي تعرف مجموعة من الإشكالات من نقص الأطر الطبية وشبه طبية، الخصاص المهول على مستوى أطباء التخصص، سيارات إسعاف غير مجهزة نقص في الموارد البشرية، ضعف مخزون الدم، غياب الأدوية ومادة الأكسيجين، وضع مترد وكارثي بسبب المفارقة الكبيرة بين العرض والطلب، لذلك السيد الوزير نرى إن وضعية المستعجلات لابد من جعلها ضمن اولوياتكم لتحسينها باعتبارها واجهة القطاع الأولى التي تقيس نجاح السياسة الصحية.
على مستوى قطاع التعليم
وإذا كانت الصحة تشكل بحق نقطة سوداء في عمل هذه الحكومة، فإن وضعية قطاع التعليم ببلادنا تدعو لكثير من القلق، قلق يعززه اقتناعنا الكبير أن لا مستقبل لوطننا الا بالاستثمار في العنصر البشري، وهو ما لا تحققه بكل أسف منظومة التعليم الوطنية، حيث أصبحت المدرسة العمومية على هامش التنمية ولم تعد تلك البوابة التي تحقق الارتقاء الاجتماعي، بل إننا أصبحنا اليوم وأمام تغول التعليم الخاص، امام تعليم طبقي جديد.
وهنا يلزم أن ننبه الحكومة أن اعتمادها نظام التعاقد في قطاع التعليم يضر المنظومة في الجوهر على اعتبار أن نساء ورجال التعليم هم عماد أي اصلاح منشود، فكيف يمكن أن نعبئ طاعات الاف الشباب من نساء ورجال التعليم في الوقت الذي لا نحقق لهم منظومة مستقرة، وكيف يمكن ان نتقبل أن تدرج ميزانية الأساتذة ضمن النفقات والمعدات المختلفة، لذلك فإن أحد أولى الأولويات هو إعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم، وضمان كل الظروف المادية والقانونية لأداء مهامهم الوطنية في أحسن الظروف.
لقد تعبنا من تكرار المشاكل البنيوية لقطاع التعليم من اكتظاظ ونقص في الموارد البشرية وتكوين مستمر لها، وتوفير الوسائل الديداكتكية الحديثة، وتأهيل المؤسسات المدرسية التي أضحت كثير منها غير صالحة للتدريس، فضلا عن النقص الحاد في الاطعام والنقل المدرسي، وسء انتشار المؤسسات التعليمية، خاصة بالعالم القروي وهو الامر الذي يستمر معه الهدر المدرسي في الارتفاع خاصة في صفوف الفتاة القروية التي تبقى بحق أكبر ضحية للمنظومة التعليمية الوطنية.
وإذا كان الامر كذلك بالنسبة للتعليم المدرسي فإن قطاع التكوين المهني لا زال يرزح تحت وطأة مشاكل بنيوية بالرغم من الرعاية الملكية الكبيرة بهذا القطاع الذي دعا جلالته الى جعله قاطرة للتنمية المستدامة، وباقتضاب شديد لازالت شبكة المؤسسات التكوينية مركزة في جهات بعينها، في حين تفتقر أقاليم كثيرة لمؤسسات متخصصة في التكوين المهني خاصة تلك التخصصات المطلوبة في سوق الشغل، بل ان تخصصات كثيرة أضحت اليوم متجاوزة وتحيل مباشرة على البطالة حيث
اكد المندوبية السامية للتخطيط في تقرير لها حول التكوين المهني أن نسب البطالة في صفوف حاملي شواهد التكوين المهني أكبر بكثير من مثيلاتها في التعليم العام، دون أن ننسى غياب المواكبة في التكوين وضعف الأوراش وغياب او نقص المواد التطبيقية، وهو ما دفع إحدى المؤسسات المتخصصة في التشغيل الى الشكوى من جودة التكوين.
أما البحث العلمي، فيبقى خارج أجندة الحكومة بالرغم من أنه السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة على اعتبار أن مفتاح التقدم هو امتلاك التكنولوجيا، ويكفي ان نذكر الحكومة ان براءة اختراع واحد قد تدر مجموعة ميزانية الدولة لسنة كاملة، في الوقت الذي تستمر فيه عشرات الادمغة والمخترعين المغاربة في الهجرة بحثا عن بيئة حاضنة لأفكارها وابداعها واختراعاتها التي تقابل بكثير من التهميش واللامبالاة في وطنهم الام.
على مستوى قطاع التضامن والمرأة.
وككل سنة يؤسفنا أن نجدد تنبيه الحكومة إلى عدد من الظواهر الاجتماعية التي أصبحنا نعيشها بكل اسف داخل المجتمع المغربي من مسنين مهملين واطفال شوارع واغتصابات وتعنيف المرأة ومظاهر اجتماعية عديدة يندى لها الجبين، تجعلنا نبكي موروثنا الثقافي ومقاصد مجتمعنا المغربي المبني على التضامن والتكافل التي أبانت عليها أجيال متعاقبة، وفي هذا الصدد إننا ندعو الحكومة للبحث عن سبل إعادة الإعتبار للأسرة المغربية وان تكون موضوع ورش وطني يشارك فيه الجميع حكومة وبرلمانا واعلاما ومجتمعا مدنيا لبحث إشكالية التأطير وتقليص هذه الظواهر.
وهذا يحيلنا للتساؤل عن الغاية من مجموعة من القوانين الصادرة عن البرلمان ونذكر على وجه الخصوص المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة الذي لم يتم تفعيله إلى غاية اليوم إضافة إلى قانون مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
ان التحدي اليوم ليس فقط الرفع من الدور التي من شأنها ان تأوي هذه الشرائح العريضة المتخلى عنها بقدر ما نؤمن على أن التحدي الحقيقي والذي يلزم الوقوف عنده هو ايجاد تدابير لرعاية الفئات المحرومة من الأسر من جهة، وإعادة إدماج الفئات المهملة داخل أسرهم من جهة اخرى عن طريق تقوية التأطير وتعزيز معايير التضامن والتكافل العائلي، بهذا نكون فعلا نجحنا في حل المسألة الاجتماعية.
لا يمكن تلخيص معاناة الفئات ذوي الإحتياجات الخاصة في بضع دقائق او ساعات فبالإضافة الى معاناتها من ظلم الإعاقة التي اجتاحت أجسادهم يعانون من ظلم السياسات التي تعمق اقصاءهم وتهميشهم ومن شح الموارد المخصصة للنهوض بأوضاعهم، لذا نأمل أن تسرع الحكومة في إخراج بطاقة المعاق وتفعيل مناصب الشغل المخصصة لهم وتوسيع الولوجيات داخل المؤسسات والمرافق العمومية لتيسير استفادتهم من الخدمات إضافة إلى ضرورة تقديم إعانات لأسرهم لتشجيعهم على احتضانهم وتكوين مربيات خاصة لذوي إعاقة التوحد.
على مستوى قطاع الشغل والإدماج المهني:
ان معضلة البطالة أصبحت تنخر أمال و طموحات الشباب المغربي هذا الشباب المعول عليه لرفع رهان المستقبل، و الأمر يتفاقم بنسبة خطيرة لدرجة اصبح فيها الشباب يعبر عن تدمره في المحافل الكروية والرياضية بشعارات خطيرة يرفعها هؤلاء، ماهي الا تنبيه للحكومة لتتدخل بحزم لمعالجة الإشكالات وتوفير فرص الشغل كحق دستوري، ان الأرقام المخيفة تدل على ان برامج الحكومة في واد والتزاماتها في واد أخر..
وتدل هذه الأرقام على ان الخطابات الحكومية ماهي الا شعارات لا علاقة لها بالتدبير الحقيقي للملفات الكبرى التي وعدت بها المواطنين من خلال برامجها الانتخابية والحكومية، وهو ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية على فشل سياسة الشغل اساسا في العالم القروي الذي لا زال ينتظر الإنصاف، حيث سجل خلال الربع الثاني من سنة 2019 فقدان 125 منصب شغل بالوسط القروي و خلال الفصل الثاني من سنة 2019، تميزت وضعية سوق الشغل بمواصلة تراجع معدلات النشاط والشغل، بالإضافة إلى أن حجم السكان في سن النشاط، البالغين من العمر 15 سنة فما فوق، قد سجل ارتفاعا مقارنة مع الفصل الثاني من سنة 2018، بوتيرة أعلى من تلك التي عرفها حجم السكان النشيطين.
ولأن الثقة لا تأتي الا بالإجراءات الملموسة بدل الشعارات الرنانة، فإننا نعبر بكل أسف عن امتعاضنا من الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي وعدت من خلالها الحكومة بخلق 1 مليون و200 الف منصب شغل خلال اربع السنوات في الوقت الذي لا تمكن معدلات النمو المحققة الا من خلق 66 الف منصب شغل بدل 300 الف منصب شغل كما وعدت الحكومة.
هذا ونسجل الغياب التام للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل في العديد من المناطق القروية والتي طالبنا في مناسبات عديدة بتعميمها في العالم القروي و إمداد الموجودة بالموارد البشرية الكافية على الأقل لتساهم في توجيه طالب الشغل وتقديم المساعدة لهم. بالإضافة إلى مطالبتنا بتمثيلية الوزارة على مستوى الأقاليم علما ان التمثيلية الجهوية برهنت فشلها في القيام بدورها الكامل عبر تراب الجهة بسبب قلة الأطر.
أما بخصوص جهاز التفتيش فلابد أن ننوه بالعمل الجاد الذي يقوم به على مستوى ضبط الاحتقان الذي ينشأ في النزاعات الفردية والجماعية والوقوف على مدى احترام قوانين الشغل وحماية الأطراف، بالرغم من الاكراهات التي تعترضه من ضعف الموارد البشرية والخصاص في وسائل العمل وهذا يلزم الحكومة بضرورة التفاعل الإيجابي مع قضاياه وانتظاراته وتقويته حتى يتسنى له القيام بمهامه المنوطة به والتي تروم ضمان الحقوق الأساسية للأجراء باعتباره أحد عناصر القوة المشجعة على جلب الاستثمار الأجنبي وتوفير مناصب شغل ومواجهة البطالة.
قطاع الشباب والرياضة :
ان قطاع الشباب والرياضة يحضى باهتمام كبير داخل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية خاصة وان فئة الشباب تمثل الفئة العريضة الفاعلة في بناء المجتمعات وتنميتها، وهي القاعدة الهرمية المهمة لسكان المغرب نتيجة النمو الديموغرافي الذي يعرفه، ولهذا فأول ملاحظاتنا هي ضعف الميزانية المخصصة للقطاع والتي نجزم على انها لن تفي بالأهداف والمخططات المسطرة من جهة وأهداف وتوصيات الخطب الملكية التي بوأت الشباب مكانة مهمة من جهة أخرى، لذلك نتأسف لغياب برامج ذات إشعاع كبير للشباب تضمن صقل مواهبهم وتكييفهم السليم والملائم مع المجتمع وتحول بينهم وبين قوارب الموت، لهذا السيد الوزير نتساءل عن أسباب تأخر السياسة المندمجة للشباب، و نفس السؤال نطرحه بخصوص الهيئة الوطنية للشباب والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
كما لا تفوتني الفرصة السيد الوزير لتنبيه الحكومة في شخص قطاعكم بخطورة وضعية الشباب بالعالم القروي والمناطق النائية التي تعرف تغييبا للسياسات العمومية المتعلقة بالشباب والرياضة على حد سواء، شباب لايجد أمامه سوى الهجرة نحو المجال الحضري وهو ما يزيد تعميق اشكالاته وأزماته لهذا ندعو الحكومة في هذا الإطار الى تبني سياسة القرب عند برمجتها للبرامج والخطط المخصصة للشباب.
ان الرياضة لم تعد ترفا في المجتمعات بقدر ماهي سياسة عمومية ترمي لتحقيق السلم الإجتماعي و تخضع للتقييم وقياس الأثر على المستويين الاجتماعي والإقتصادي بل ايضا السياسي باعتبارها اداة تعتمدها الدول المتقدمة لتصريف مواقفها السياسية، ونحن ندعو الحكومة في هذا المقام لاعتبارها قاطرة لتحقيق التنمية عبر صناعتها للإبطال مما يلزمها بدل المزيد من الجهود لتشجيع المواهب الرياضية وتحقيق العدالة المجالية من خلال تعميم ملاعب القرب في المجالات الترابية القروية وخلق برامج رياضية ذات اشعاع قادر على انتشال الشباب من بؤر المخدرات والإجرام، كما نطالب بإعادة الاعتبار للرياضة المدرسية التي نعتبرها جزءا من التربية والتأطير الجسدي والنفسي للشباب، وتخليق الجامعات الرياضية ومحاربة لوبيات الفساد المستشرية في أجهزتها.
* على مستوى قطاع الثقافة:
فإننا نسجل بكلأ أسف، استمرار الحكومة الحالية في اعتبار قطاع الثقافة عبئا ميزانياتيا صرفا، يجانب المسار الذي تنحو اليه الدول المتقدمة في هذا المجال حيث لم تتجوز ميزانية هذا القطاع برسم السنة المالية المقبلة 782.3 مليون درهم، 330 منها فقط للاستثمار، وهو رقم بعيد جدا عن المتوسط العالمي للثقافة الذي يتجاوز 2.5 بالمئة على المستوى العالمي، بينما لن يتجاوز 0.5 بالمئة من الميزانية العامة للدولة ببلادنا شأنه شان البحث العلمي.
نعم السيد الوزير، ستبقى الثقافة في عهد حكومتكم تكرس لمزيد من الاندحار الثقافي وسترسخ مزيدا من الاستلاب الثقافي حيث سيستمر لامحالة هيمنة الأفلام والمسلسلات الأجنبية بما تحمله من قيم ثقافية وسلوكية لا تمت بصلة لواقعنا وإنسيتنا المغربية المتفردة، وسيستمر المسرح المغربي في رثاء أركانه وأعمدته التي تغادرنا في صمت وبألم كل يوم، بعدما عزف الشباب الهاو عن ممارسة هذه المهنة النبيلة التي تحيل مباشرة على الفقر والدموع والحسرة.
وسيستمر الكتاب المغربي في الندرة في مقابل هيمنة الكتب الأجنبية، بما يمثل ذلك من خطر اندحار منسوبية القراءة لدى كل الفئات وخاصة الشباب، وسيستمر تآكل التراث الثقافي الذي لازالت وزارتكم لم تنه حتى مرحلة إحصائه فبالأحرى تثمينه والعناية به ونشره، في مقابل تخصيص ملايين الدراهم لفنانين عالميين ومهرجانات تبقى غريبة عنا، وسيستمر الفنان المغربي في ركن الزاوية على هامش السلم الاجتماعي ببلدنا فقيرا منهكا، في مقابل تكريم خيالي للفنانين الأجانب على اختلاف جنسياتهم.
*على مستوى قطاع الاتصال:
ننبه الى الأوضاع الخطيرة التي تعيش على وقعها الصحافة الورقية خاصة في ظل تدهور نسبة المقروئية ببلادنا والتي لا تتجاوز بضع دقائق سنويا كمعدل عام فضلا عن المنافسة القوية للإعلام الالكتروني والقراءة المجانية للصحف الورقية في المقاهي إضافة الى الارتفاع المهول في سعر الورق وتراجع نسب الاشهار وهو الامر الذي يسائلنا جميعا اليوم، حول ضرورة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة والمستعجلة للرفع من دعم هذا القطاع، بما يحفظ استقلالية الصحافة الوطنية وخطها التحريري الذي اضحى جزء مهم منه رهينة للوبيات المال والسياسية تحت طائلة الاشهار.
وينبغي التشديد هنا ان دمقرطة توزيع الاشهار العمومي يعد في حد ذاته سؤالا مطروحا في ظل غياب العدالة التوزيعية باعتباره مالا عموميا وجب الحرص على ضمان تشفيف تعاملاته.
أما على مستوى الاعلام السمعي البصري فإنه للأسف الشديد لم يصل إلى تحقيق تنافسية مهمة خاصة مع التطور الكبير الذي يعرفه القطاع في دول المنطقة العربية ، والتي استطاعت قنواتها أن تحتل مساحة مهمة في السوق الوطنية سواء الترفيهية أو التنافسية أو الإخبارية ، وهو ما يسائلنا جميعا عن كل من موقفه عن سر محدودية تنافسية هذا القطاع وتجويد كفاءته المهنية وتعزيز استقلاليته بما يواكب التحديات التنافسية التي يواجهها .