تجمع جماهيري حاشد ذلك الذي احتضنته سينما أبينيدا بمدينة تطوان، يوم السبت 6 يوليوز 2019، برئاسة الأخ نزار بركة الأمين العام للحزب، تخليدا للذكرى التاسعة والأربعين لوفاة زعيم الوحدة المرحوم عبد الخالق الطريس، في ظل حضور قياسي للاستقلاليات والاستقلاليين الذين حجوا من مختلف أقاليم وجهات المملكة.
وشهد المهرجان الخطابي حضور كل من الأسرة الكريمة للزعيم عبد الخالق الطريس، إلى جانب حضور عدد من الإخوة أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وبرلمانيي ومنتخبي الحزب، وبعض ممثلي الأحزاب السياسية الوطنية، بالإضافة إلى أعضاء أسرة المقاومة وجيش التحرير.
وعرف هذا اللقاء الذي أشرف على تسيير أشغاله الأخ محمد الصالحي المفتش الإقليمي للحزب، تنظيم معرض للصور اشتمل على محطات تاريخية من حياة الزعيم الراحل عبد الخالق الطريس، فضلا عن قراءات شعرية وزجلية وعرض شريط فيديو تناول شهادات في حق الفقيد من أطر وفعاليات وطنية، استحضرت مميزات شخصيته ونضالاته الحزبية والإنسانية.
كما تميزت أشغال المهرجان، بالكلمة الهامة التي ألقاها الأخ نزار بركة الأمين العام للحزب، بالمناسبة، معربا في مستهلها عن سعادته بتجديد اللقاء بالأسرة الاستقلالية بالشمال في هذا الموعد السنوي من أجل إحياء ذكرى عطرة لأحد الزعماء الأفذاذ، وأحد قادة الحركة الوطنية الاستقلالية الأماجد، الذكرى التاسعة والأربعين لرحيل زعيم الوحدة المجاهد المرحوم عبد الخالق الطريس، مشيدا بإلتئام هذا الجمع المبارك بمدينة تطوان قلعة الكفاح والنضال بتاريخها البطولي المجيد، أرض السلام والتعايش والتسامح وملتقى الحضارات.
وعبر الأخ الأمين العام عن اعتزازه بإحياء هذه الذكرى تحت شعار "الفكر الوحدوي عند الزعيم عبد الخالق الطريس مدخل أساسي للتنمية المستدامة"، لما يمثله الشعار من رسالة وطنية نبيلة من أجل إنهاض الهمم وتعزيز روح الوحدة ورص الصفوف بما يوفر الاستقرار والتنمية المستدامة ويحصن التماسك الاجتماعي ويضمن التمسك بالقيم والثوابت الوطنية التي شكلت عبر السنين صمام أمان للشخصية المغربية وعماد الوحدة الوطنية والإنسية المغربية.
الزعيم عبد الخالق الطريس رائد الوحدة
وسجل الأخ نزار بركة أن الزعيم عبد الخالق الطريس رحمه الله عرف بتشبعه بالقيم الوحدوية فكان من أبرز رواد الوحدة الوطنية الذين جسدوا بالعمل والتنظيم والتفكير والسلوك والكلمة، الخيار الوحدوي وجعلوه أساسا ومنهجا في عملهم الوطني سواء في إطار عمل الكتلة الوطنية أو في حزب الإصلاح الوطني، وصولا إلى حزب الاستقلال، وهو نفس النهج الذي اعتمده في تنسيق المواقف والمبادارت والتحركات داخل الوطن وخارجه في المشرق العربي وأوروبا إبان الفترة الاستعمارية.
وأبرز الأخ الأمين العام أن الزعيم الطريس جعل من تأسيس حزب الإصلاح بالشمال مدرسة للعمل الوطني وجسرا للتواصل مع الوطنيين وآلية لتعميق وتطوير العلاقات النضالية بين الشمال والجنوب، مؤكدا أن الطريس من منطلق نزعته الوحدوية، اعتبر أن الوحدة هي سبيل بناء مغرب جديد، وتبلور ذلك في عدة محطات نضالية ومبادارت وحدوية بحيث كانت المنطقة الشمالية أول من نادى بوجوب إعلان استقلال المغرب وتعطيل بنود الحماية.
الاندماج كتتويج للفكر الوحدوي
وأوضح الأخ نزار بركة أن من أبرز تجليات الفكر الوحدوي عند الزعيم عبد الخالق الطريس كان عمله الدؤوب من أجل توحيد الحركة الوطنية تحت إسم حزب الاستقلال، حيث أقدم على إدماج حزبه، حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال بعد التوقيع على بيان مشترك بهذا الشأن في 18 مارس 1956، تغليبا للمصالح العليا للبلاد وتتويجا لجهود التنسيق والعمل النضالي بين الحزبين في كافة المستويات، وبذلك تكرست وحدة العمل الوطني بين جناحي الحركة الوطنية الاستقلالية في الشمال والجنوب، وهي الوحدة التي طالما ناضل من أجلها الزعيم الطريس على أكثر من واجهة وسعى إلى تحقيقها على أكثر من صعيد.
وأكد الأخ الأمين العام أن هذا الموقف جعل من عبد الخالق الطريس رمزا وبوأه مكانة عظيمة لدى إخوانه في حزب الاستقلال، وفي هذا السياق، ضرب المثال بما قاله الزعيم علال الفاسي في رسالة متبادلة بينه وبين الفقيه داود "لقد ازداد الأستاذ الطريس عندي حبا عظيما بموقفه ".."وقد وازداد عندي حبا وتقديرا".
استحضار مقومات الوحدة ضمن رهانات التنمية المستدامة
وأبرز الأخ نزار بركة أن حزب الاستقلال يعتبر أنه من بين رهانات الوحدة التي ضحى في سبيلها الرواد، تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تعمل بلادنا جاهدة من أجل تنزيل أهدافها والتي تتقاطع بشكل كبير مع الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للمرجعية التعادلية التي أسسها الزعيم علال الفاسي رحمه الله، والتي تنشد بناء مغرب حديث ينعم فيه المواطنات والمواطنون بالوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية كمشروع مجتمعي يستهدف التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ويحقق تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات وإقرار مجتمع متوازن ومتضامن يضمن شروط العيش الكريم لكافة المواطنات والمواطنين.
وسجل الأخ الأمين العام أنه يكفي أن يتم استحضار بعض مقومات الوحدة التي كافح من أجلها زعماء حزب الاستقلال الأفذاذ وفي مقدمتهم الزعيم علال الفاسي وعبد الخالق الطريس رحمهما الله، بما يتقاطع مع فلسفة وأهداف أجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي اعتمدتها بلادنا، للتدليل على حكمتهم وبعد نظرهم وسعة تفكيرهم.
إقارر العدالة المجالية
وفي مقدمة هذه الأهداف، يقول الأخ نزار بركة النهوض بالتنمية في المجالات الأكثر خصاصا، من خلال إعطاء الأولوية للمناطق القروية والجبلية والحدودية والواحات والمناطق الصحراوية وعدم التركيز على الشريط الساحلي فقط الذي ترتكز فيه أكثر من نصف الساكنة وبأكثر من 80 في المائة من الأنشطة الصناعية وأكثر من 50 في المائة من البنيات السياحية..، وذلك باعتماد منظور جديد للعدالة والإنصاف المجالي والتنموي، مشيرا إلى أن ساكنة المناطق القروية والجبلية والحدودية هي الأكثر معاناة من معدلات الفقر، وهو ما لمسه الحزب عن قرب خلال الزيارات واللقاءات التواصلية بالمواطنين في العديد من هذه المناطق.
ومن هذا المنطلق، أكد الأخ الأمين العام أن حزب الاستقلال ترافع باسم هموم الساكنة وقدم اقتارحات وحلول وبدائل من خلال مبادارت ومذكارت تم توجيهها إلى رئيس الحكومة، دعا من خلالها الحكومة إلى ضرورة تبني سياسات عمومية أكثر نجاعة وتركيز على هذه المناطق لتقليص الفوارق، وتوفير ظروف العيش الكريم، وضمان فرص الارتقاء الاجتماعي، والقطع مع أسباب الاحتقان والإحباط والإحساس المتزايد بالحيف و"الحكرة" وفقدان الثقة في مستقبل أفضل، وهو ما أكده الحزب في إطار تصوره للنموذج التنموي الجديد.
وسجل الأخ نزار بركة أن تحقيق أهداف ورهانات التنمية المستدامة لا يتم باستمرار الإقصاء والتهميش لهذه المناطق، كما أن غياب الالتقائية في السياسات العمومية والبعد المندمج للمشاريع يزيد من هدر المجهود العمومي ويضعف من فعالية الخدمات المقدمة ويقلص من فرص التنمية الحقيقية ومن استفادة المواطنات والمواطنين منها، داعيا الحكومة إلى ضرورة تطوير البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية بالمجالات الترابية الهشة وتحسين أوضاع ساكنتها بما يضمن استفادتهم من الخدمات الاجتماعية الأساسية من تعليم جيد وخدمات صحية ميسرة وسكن لائق، ضمانا لكرامتهم.
إقرار سياسة اجتماعية منصفة
وفي هذا الصدد، جدد الأخ الأمين العام التأكيد على ضرورة معالجة اختلالات المناطق الهشة وما تعرفه ساكنتها من إقصاء وتهميش، وتمكينها من تكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الضرورية ومن المنافع والثروات المحلية وأسباب الارتقاء إلى حياة كريمة، إلى جانب محاربة الفقر من خلال تقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والمجالية وتحسين ظروف عيش الساكنة، إلى جانب تحسين التمدرس لتدارك التفاوتات والفوارق مع المدن والحواضر، لما لتلك التفاوتات من وقع سلبي على التماسك الاجتماعي وتعميق فوارق اجتماعية مستقبلية من شأنها ترسيخ التوريث الجيلي للفقر وتعميق الفوارق بين الأجيال.
كما جدد الأخ نزار بركة الدعوة إلى وقف نزيف اندحار الطبقة المتوسطة وإعادة توازنها للحد من تعميق وتفاقم التفاوتات داخل المجتمع والعمل على تجاوز التطاحن الطبقي والصارعات المجتمعية والتركيز على بناء مجتمع متوازن ومتضامن تكون فيه مختلف الفئات الاجتماعية متضامنة ومتكاملة فيما بينها، مطالبا في هذا الإطار الحكومة بالقطيعة مع السياسات المتبعة التي لا نجني من وارئها إلا مزيدا من الاحتقان والتوتارت الاجتماعية وتكريس الفقر والتهميش والإقصاء والإمعان في ضرب القدرة الشارئية للمواطنين، وهو ما تم ملامسته في احتجاجات الريف والحسيمة وجرادة ومقاطعة بعض المواد الاستهلاكية والفوترة واحتجاجات أساتذة التعاقد وطلبة الطب..
وطالب الأخ الأمين العام الحكومة اليوم بإقرار تغيير جذري لمقاربتها وسياساتها الاجتماعية تنعش به ما بقي من آمال لدى المغاربة في هذه الحكومة وتحفظ لهم كرامتهم وتحدث انفراجا في أزمة الثقة المستفحلة لديهم وتبدد حالة الاحتقان الاجتماعي السائدة، وذلك من خلال القطيعة مع منطق الوساطة والريع والامتيازات إلى بناء مجتمع الحقوق المكفولة للجميع على قدم المساواة في إطار سيادة القانون وفعلية قواعد المنافسة الشريفة أمام تغلغل التوجهات الليبارلية غير المتوازنة المبنية على الاحتكار والجشع الذي يعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية ويهدد التماسك الاجتماعي.
إقرار حكامة اجتماعية وتوزيع منصف للثروة
واعتبر الأخ نزار بركة أن انتشار الفقر والهشاشة والأمراض الاجتماعية الناتجة عن التوزيع غير العادل للثروات يهدد الوحدة الوطنية وتتلاشى معه الأهداف النبيلة التي كافح من أجلها رواد الحركة الوطنية ويضعف منسوب الثقة لدى المواطنين، داعيا الحكومة إلى إحداث رجة في سياساتها بما ينسجم مع التوجيهات الملكية التي ما فتأت تحث على تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية والعناية بالفئات الفقيرة والوسطى وضمان الارتقاء الاجتماعي للشباب وإقرار مجتمع متماسك ومتضامن ينعم بالاستقرار ويستفيد فيه المواطنون من التوزيع العادل للثروات.
تثمين العنصر البشري
وسجل الأخ الأمين العام أن الاستثمار في العنصر البشري من خلال بناء القدرات ورفع الكفاءات وتأهيل الطاقات هو استثمار في المستقبل ورافعة أساسية للتنمية ودعامة متينة للوحدة الوطنية، وهو ما يتطلب بلورة استراتيجية متكاملة تقوم على تعزيز قيم المواطنة وتقوية روح الانتماء للوطن واعتماد منطق الاستحقاق وتكافؤ الفرص والعمل ومؤهلات التعليم والتكوين وتشجيع روح المبادرة والابتكار بما يمكن من تحقيق النمو الاقتصادي وإنتاج الثروة وخلق القيمة المضافة وضمان الارتقاء الاجتماعي خاصة للشباب من ذوي الكفاءات.
وأوضح الأخ نزار بركة أن هذه بعض مقومات الوحدة في شموليتها كما نظر لها ودافع عنها الزعيم عبد الخالق الطريس، مبنية على الفهم الناضج والاستيعاب المبكر لقضايا الأمة وتطلعاتها وهي مقومات شكلت جوهر الفكر الاستقلالي من خلال وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي أبدعها الزعيم علال الفاسي، وهو ما يفسر التجاوب التام والانسجام الكامل الذي طبع مواقف الزعيمين وكفاحهما المشترك.
وأبرز الأخ الأمين العام أنه إذا كانت قد مرت 49 سنة على رحيل زعيم الوحدة الأستاذ عبد الخالق الطريس فإن الأفكار التي كافح من أجلها مع رفاقه في حزب الاستقلال أثبتت راهنيتها وجدارتها مع توالي السنين، وما تماهيها مع أهداف التنمية المستدامة ورهاناتها إلا أكبر دليل على ذلك، مسجلا أن حزب الاستقلال حينما يتمسك اليوم بتوجهه الوحدوي، فإنما يعبر بذلك عن وفائه للمدرسة الوطنية الأصيلة التي وضع أسسها رواد الحركة الوطنية الأوائل الذين كان من أبرزهم الأستاذ عبد الخالق الطريس التي تخلد الأسرة الاستقلالية اليوم ذكاره، لتتعرف الأجيال الجديدة على مواقفه وأعماله الجليلة ولإستخلاص الدروس والعبر من كفاحه وتضحياته في هذه المرحلة التي تشهد فيها بلادنا ثورة جديدة للملك والشعب من أجل بناء المغرب الجديد الديمقراطي الموحد والمتضامن ولنجدد العزم على مواصلة الرسالة الاستقلالية في خدمة بلادنا وترسيخ مقومات الوحدة والعزة والكرامة للمواطنات والمواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أنه على هامش هذا المهرجان الخطابي الإحيائي للذكرى التاسعة والأربعين لوفاة زعيم الوحدة عبد الخالق الطريس، قام الأخ نزار بركة بمعية مناضلي ومناضلات الحزب بزيارة لضريح الفقيد، وذلك من أجل الترحم على روحه الطاهرة، حيث استحضر الاستقلاليات والاستقلاليون بفخر واعتزاز ما بذله الزعيم عبد الخالق الطريس من نضال مستميت في سبيل تحرير الوطن، وما سجله من مواقف وطنية خالدة وتضحيات جسام من أجل الوحدة والعزة والكرامة.