ترأس الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم السبت 27 مارس 2021 بالمركز العام للحزب بالرباط، أشغال ندوة وطنية هامة حول موضوع "أحداث الريف لسنتي 1958 و1959.. استقراء الذاكرة، شهادات رؤى متقاطعة"، وذلك بمشاركة ثلة من الباحثين والأساتذة الجامعيين الذين ساهموا بمداخلات علمية تاريخية وازنة ورصينة أغنت نقاش الجلسات الثلاث للندوة.
وتناول الأخ نزار بركة الكلمة، معربا في مستهلها عن سعادته بحضور فعاليات هذه الندوة العلمية الهامة التي ينظمها حزب الاستقلال حضوريا وعن بعد حول موضوع: "أحداث الريف لسنتي 58 و59، مسجلا أن تنظيم هذا اللقاء ذو الصبغة الأكاديمية، يأتي تنزيلا للمبادرة التي سبق أن أعلن عنها سنة 2018 خلال زيارته لمدينة الحسيمة، والتي تقضي بفتح ورش المصالحة الحزبية مع منطقة الريف من أجل كشف حقيقة المزاعم التي تُحمِّل الحزب مسؤولية ما جرى خلال أحداث 1958 و1959 والقيام بالمكاشفة الحقيقية مع الذات والنقذ الذاتي بل والاعتذار للساكنة إن تبثت تلك الإدعاءات والمزاعم.
وأكد الأخ الأمين العام أن هذا اللقاء كان مبرمجا خلال سنة 2020، لكن التدابير الصارمة للحجر الصحي بسبب جائحة كورونا حالت دون ذلك، مبرزا أن زيارته المذكورة لمدينة الحسيمة بمعية بعض أعضاء اللجنة التنفيذية كانت تفعيلا لاستراتيجية الحزب الجديدة خاصة ما تعلق منها بالمصالحة في أبعادها الكبرى، وإعمالا لتواصل القرب وفضيلة الإنصات المباشر لهموم وانشغالات المواطنات والمواطنين، كما تمليه المسؤولية الوطنية والالتزام الحزبي، بالإضافة إلى التواصل المباشر مع المناضلات والمناضلين وساكنة المنطقة، في خضم ما عرفته المدينة من احتجاجات واحتقان اجتماعي، وعلى إثر صدور أحكام قضائية ثقيلة على خلفية الأحداث التي عرفتها المدينة.
كما ذكر الأخ نزار بركة أنه أكد خلال ذات المناسبة على أن منطقة الحسيمة، ومنطقة الريف عموما، تحظى بتمييز إيجابي مهم وبعناية خاصة من قبل جلالة الملك منذ اعتلائه العرش، كما حظيت بتضامن وطني غير مسبوق بعد زلزال الحسيمة، بلغ أوجَهُ حين أقام جلالة الملك في خيمة وسط الساكنة المتضررة، وأشرف شخصيا على عمليات الإسعاف والإنقاذ ودعم الأسر، وهي العناية التي جعلت الحسيمة ومنطقة الريف في مقدمة المناطق التي شملها مسلسل الإنصاف والمصالحة.
وسجل الأخ الأمين العام أنه خلال ذات اللقاء بالحسيمة، عدد المشاريع والأوراش الكبرى التي أطلقتها الدولة بالإقليم من قبيل البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية، وفي مقدمتها مخطط الحسيمة "منارة المتوسط" الذي يأتي لتدارك الخصاص المتراكم من سنوات التهميش والإقصاء التي عاشتها هذه الربوع طيلة عقود، والذي يعتبر كذلك من المؤشرات الكبرى التي عكست التمييز الإيجابي الذي تحظى به الحسيمة في ظل العهد الجديد وبعناية جلالة الملك والدولة بالمنطقة ككل، مؤكدا أن هذا المخطط الطموح الذي يمكن إدراجه، وينبغي إدراكُه وتمثلُه، في إطار روح وفلسفة المصالحة وجبر الضرر الجماعي بالمنطقة.
وفي هذا الصدد، جدد الأخ نزار بركة استعداد حزب الاستقلال لفتح ورش المصالحة الحزبية مع المنطقة، من أجل كشف حقيقة الادعاءات والمزاعم التي تحمل حزب الاستقلال مسؤولية ما جرى خلال أحداث 58 و59 الأليمة، والقيام بالمكاشفة الضرورية مع الذات، والنقد الذاتي الراسخ في الأدبيات الاستقلالية، وتصحيح العديد من المغالطات والافتراءات التي تم إلصاقها بالحزب، إلى جانب القيام كذلك ولِمَ لا بالاعتذار لساكنة المنطقة إن ثبتت تلك المزاعم والادعاءات.
وأكد الأخ الأمين العام أنه للذاكرة والتاريخ، يسعى حزب الاستقلال إلى رصد موضوعي لملابسات أحداث الريف خلال تلك الحقبة، من أجل إعادة قراءتها مجددا وإدراجها ضمن التملك الجماعي لهذا الماضي في أفق الطي النهائي لهذه الحقبة المثيرة للجدل من تاريخنا المشترك، بعيدا عن الأحكام الجاهزة التي يتم الترويج لها من طرف البعض.
وتفعيلا لهذه المبادرة، أكد الأخ نزار بركة أن اللجنة التنفيذية للحزب قررت بتاريخ 9 يوليوز 2018 تشكيل لجنة يرأسها الأخ شيبة ماء العينين، رئيس المجلس الوطني للحزب، وعضو اللجنة التنفيذية المسؤول عن رصيد وذاكرة الحزب والمصالحة، يكون من مهامها استجماع المعطيات التاريخية المرتبطة بهذه الأحداث، وقد باشرت اللجنة منذ تشكيلها أجرأة مبادرة الحزب من خلال عقد لقاءات مع بعض الشخصيات الوطنية ذات الصلة والتي عايشت المرحلة، كان من بينها المناضل المقاوم الأستاذ محمد بن سعيد آيت إيدر، والمرحوم الأستاذ الباحث والمؤرخ الدكتور زكي مبارك والوطني الغيور المرحوم الأستاذ محمد المعزوزي، والأخ الأستاذ ادريس اليزمي الرئيس آنذاك للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إطلاع اللجنة على وثائق وملفات تتعلق بالمرحلة في بعض الأرشيفات العامة والخاصة.
وفي هذا السياق، اعتبر الأخ الأمين العام أنإنجاز هذه المهمة لن يكون بالشيء الهَيِّنِ واليسير، لأن هيئة الإنصاف والمصالحة نفسَها اعترفت في تقريرها الختامي بأنها لم تستطع الإحاطة بكل مجريات وملابسات هذه الوقائع، وظلت العديد من البياضات والتساؤلات بدون أجوبةٍ حولها، ولأن مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة لم يكتمل، ولم يحقق الأثر الاستدراكي والتنموي والرمزي المنتظر منه وأن المشاريع التي تمت برمجتها لهذه الغاية كانت محدودة ولم تنجح خاصة في جانبها التنموي، عِلْمًا بأن هذا المسلسل وجد من حزب الاستقلال كل الدعم عندما كان الحزب يقود الحكومة برئاسة الأستاذ عباس الفاسي، لكن الأمور تعثرت بعد ذلك ولم تكتمل.
ومن مظاهر صعوبة هذه المهمة، يضيف الأخ نزار بركة أن "الصحوة الذاكراتية" التي انطلقت منذ نهاية التسعينيات، في إطار مسلسل المصالحة وطي صفحة انتهاكات سنوات الماضي، ظلت سجينة مقاربة وجدانية أو إيديولوجية، سواء كانت فردية أو جماعية، ولم تصل إلى عتبة البحث التاريخي وما يقتضيه من مقاربة علمية، ومسافة منهجية، واستقصاء موضوعي، وتمحيص نقدي للرصيد الوثائقي وللمادة التاريخية.
وذكر الأخ الأمين العام أنه لابد من استكمال مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة بشِقَّيْهِ التنموي والرمزي والثقافي كذلك، ولابد من إقرار واجب الذاكرة الذي يقوم على فضيلة الاعتراف والمكاشفة والنقد الذاتي وتحمل المسؤولية إن توفرت موجباتها، ويُلزم الجميع بالعمل يدا في يد، في إطار قواعد القانون والمؤسسات، لتحصين الحاضر والمستقبل من انتهاكات الماضي، وحتى لا يتم تكرار ما وقع.
وفي هذا الإطار، سجل الأخ نزار بركة أنه ينبغي الاشتغال على الجانب الرمزي والثقافي في حفظ وتثمين ذاكرة المنطقة وخصوصيتها، في إطار الهوية الوطنية الموحدة والمتميزة بتنوع مكوناتها، مذكرا أن حزب الاستقلال ظل دائما يحيي ذكرى معركة أنوال، وتخليد المواقف المشتركة في المنفى بين الزعيمين علال الفاسي ومحمد عبد الكريم الخطابي من أجل الاستقلال، مثمنا إحداث متحف أو فضاءات لحفظ و"واجب الذاكرة" المحلية بالحسيمة والناظور، بما يعزز الانتماء إلى الوطن، ويذكر بمساهمة أبناء وبنات هذه المنطقة في بناء الوطن، وفي استقلاله، وفي معركة الكفاح الوطني والديمقراطي.
وأكد الأخ الأمين العام أن حزب الاستقلال يحدوه الأمل أن يُسهم هذا اللقاء في القيام بقراءة موضوعية وأكاديمية لهذه المحطة التاريخية ذات الطبيعة الخاصة والمفصلية، التي تناسلت بشأنها العديد من التأويلات والمغالطات، للوقوف على الحقائق التاريخية من خلال الوثائق والدراسات العلمية وشهادات المؤرخين والشخصيات الوطنية، من أجل الإمساك بالخيط الناظم الذي يزيح ثقل الماضي بملابساته وطابوهاته ويعبد الطريق نحو تقريب وجهات النظر وطي صفحة النفور السياسي في المنطقة.
كما اعتبر الأخ نزار بركة أن له اليقين أن المداخلات القيمة للأساتذة الأجلاء ستسهم ولا شك في إغناء النقاش وكشف مناطق الظل في هذه الحقبة التاريخية الهامة، أخذا بعين الاعتبار السياق التاريخي وتقاطبات المشهد السياسي والصراعات الداخلية للحزب فضلا عن مخططات القوى الاستعمارية وأطماعها بالمنطقة ومفاعيل الحرب الباردة وانعكاساتها على بلادنا، مبرزا أن الحزب سيواصل تعميق البحث التاريخي لمعرفة الحقيقة بكل جرأة ومسؤولية، في أفق المصالحة الشاملة مع المنطقة لتقوية الوحدة الوطنية وتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز روابط الانتماء للوطن.
وأكد الأخ الأمين العام أن حزب الاستقلال يعتقد جازما أن قراءة متأنية، موضوعية، وعميقة من هذا النوع، باتت ضرورية لإزالة الشوائب ودحض المزاعم والافتراءات وتصحيح المغالطات، التي تكرست مع مضي السنين والحقب، وتبين أن تبعاتها لازالت مترسخة عالقة في الأذهان، وخير مثال على ذلك ما حصل مؤخرا من تدنيس للعلم الوطني في قنصليتي بلادنا بكل من مدينتي أوتريخت وديمبوس بهولندا، مبرزا تعويله على مخرجات هذه الندوة العلمية الهامة لرصد ملابسات تلك الأحداث واستجلاء الحقيقة ولو في بعض جوانبها بهدف التنوير والمعالجة وإعادة الاعتبار للذاكرة التاريخية الجماعية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة، التي سير أشغال جلساتها الثلاث كل من الإخوة شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني للحزب، نور الدين مضيان عضو اللجنة التنفيذية للحزب وعبد الجبار الراشيدي عضو اللجنة التنفيذية للحزب، عرفت حضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ورئيس مؤسسة أرشيف المغرب، والرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثلين عن المؤسسات الفكرية والثقافية وبعض الأحزاب السياسية، إلى جانب الأخوات والإخوة في تنظيمات الحزب ومؤسساته الموازية وروابطه المهنية.