الأخت إيمان بنربيعة : قلق كبير بخصوص تراجع مؤشرات الاستثمار المباشر في بلادنا

الثلاثاء 27 نونبر 2018

تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور في فقرته الثالثة والمواد 278 الى 283 من النظام الداخلي لمجلس النواب عقد هذا الاخير يوم 26 نونبر 2018 جلسته الشهرية العمومية المخصصة للأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة المتعلقة بالسياسات العمومية، وقد تميزت بالمشاركة المهمة للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية حيث تساءل في موضوع: الاصلاحات والتدابير المتخذة لإنعاش مناخ الاعمال.

وفي هذا السياق تقدمت الأخت إيمان بنربيعة بتعقيب على جواب رئيس الحكومة جاء فيه:

في الحقيقة إننا في الفريق الاستقلالي، لا ننكر على وطننا ما حققه من تراكم مهم في مجال تحسين مناخ الأعمال والاستثمار، باعتبار الانفتاح الاقتصادي للمملكة كان ولازال خيارا استراتيجيا للدولة، بل وكان دائما محط عناية ملكية مستمرة، لكن هذا لا يمنع من أن نعبر في الفريق الاستقلالي عن قلقنا الكبير من تراجع مؤشرات الاستثمار المباشر ببلادنا، والتي تبقى دون حجم الطموحات والإصلاحات المعلنة.

فمناخ الاستثمار كما تدل عليه تسميته السيد رئيس الحكومة لا يرتبط فقط بإعلان حزمة إجراءات مسطرية وتحفيزية، وإرساء عدد من اتفاقيات التبادل الحر، بل تمتد أساسا إلى المناخ السياسي والاقتصادي والأمن القضائي والنجاعة الادارية المحلية وهي في المحصلة عوائق تطور الاستثمار الخارجي وتشجيع الاستثمار الداخلي:

فالاستقرار السياسي للحكومة، وانسجام مكوناتها، عامل محدد في بناء الثقة الاستثمارية وتحفيزها، فالرأسمال جبان، كما هو متعارف عليه في علم الاقتصاد، وأصعب ما يمكن أن يواجهه الاستثمار الأجنبي والمحلي هو اهتزاز الثقة في المؤسسات، والتي تعود أساسا إلى عدد من الممارسات التي ننبه إليه مرارا، وعلى رأسها التمسك بالاختيار الديموقراطي عبر إرساء ممارسات سياسية تحترم الدستور، وتعزز الفصل والتوازن بين السلط، وهي في جملتها أركان لن تتحقق إلا بحكومة قوية، لا حكومات داخل الحكومة الواحدة.

إن إنعاش الاقتصاد الوطني، وبقدر ما يحتاج إلى تحفيز مناخ الاستثمار الخارجي، فإنه يستلزم أساسا تطوير النسيج الاقتصادي الداخلي، أي دعم المقاولة الوطنية، وخاصة منها المقاولة الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل أكثر من 90 من النسيج المقاولاتي الوطني، ويكفي أن نذكركم السيد الرئيس، بالعدد الخطير من المقاولات الناشئة التي تمت تصفيتها برسم السنة الماضية، حيث أعلنت   8020شركة عن إفلاسها خلال السنة الماضية، بسبب الصعوبات التي تواجهها، وهوما يمثل زيادة بواقع 12 في المائة مقارنة مع السنة التي قبلها، مع تسجيل إفلاس قرابة 1013 مقاولة جديدة في شهر دجنبر لوحده، مقارنة مع 1287 مقاولة التي أفلست في دجنبر من سنة 2016.

كما أنه و في ظرف 9 سنوات، تضاعف عدد المقاولات المفلسة بواقع ثلاثة أضعاف، حيث ارتفعت النسبة سنويا بواقع 14 في المائة منذ سنة 2011، وهي وضعية خطيرة تعود أسبابها إلى ضعف الدعم والمواكبة الحكومية، وصعوبات التمويل، وغياب الاستقرار والعدالة الضريبية،  وهشاشة برامج تشجيع التصدير، وعدم ضمان توزيعية عادلة من حصة الاستثمار العمومي، فضلا عن البطء الكبير في أجال الأداء حيث وصلت نسبة الشركات المفلسة بسبب تأخر الأداء إلى 40 في المائة من مجموع الشركات المفلسة، وهو المنوال الذي تنهج الشركات الكبرى أيضا في تعامله مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، المتعاملة معها، إذ تتجاوز في بعض الأحيان آجال أداء الفواتير المستحقة 120 يوما كمتوسط. إن الاستثمار الخارجي رهين أيضا بقوة الاستثمار الداخلي الخاص.

- المستثمر الأجنبي لا يمكن أن ينجذب إلى بلادنا، وهو يلاحظ أن  المقاولة المغربية تعاني من إكراهات كثيرة وتتعرض للإفلاس.
- صحيح ، أننا تقدمنا في doing business ولكن الحقيقة هي أن هذا التقدم هم محاور فرعية فقط..
- لا يمكن أن  يكون  هناك مغربان، مغرب يهم المستثمر الخارجي ومغرب  خاص بللمستثمر الداخلي.

إن القضاء العادل والناجع، يعد بوابة لتحقيق الأمن القضائي الذي يعتبر أحد أهم مخاوف الرأسمال الأجنبي، وإذا كانت بلادنا قد حسمت خيارها الاستراتيجي في ضمان استقلالية السلطة القضائية، فإن ورش اصلاح القضاء لازال مفتوحا، ويتطلب عزما حكوميا في توفير كل المقومات الضرورية، من أجل خلق مناخ سليم للتقاضي وفض المنازعات، وهو عمل تراكمي طويل على مسار تثبيت الثقة في القضاء المغربي.

- لا يمكن أن نكذب على انفسنا، في الحقيقة ، هناك  مشاكل كثيرة تواجه  المقاولين في القضاء، والضرورة تقتضي انكباب الجميع على معالجتها، من اجل  تشجيع  المستثمر الذي  يلجأ للقضاء الإداري والتجاري لفض منازعاته وإعادة الثقة القضاء.

وتبقى أعطاب الإدارة المغربية، أحد النقاط السوداء في مناخ الاستثمار الوطني، حيث سبق لجلالة الملك أن نبه الحكومة في خطاب العرش للسنة الماضية الى جملة المعوقات التي تعيشها الإدارة العمومية، حيث أكد جلالته أنها لا زالت تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية، وتعقد المساطر، وغياب النجاعة، وهشاشة منظومة التقييم والتحفيز والتكوين الدافع نحو الابداع، وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن انتشار ظواهر الرشوة والمحسوبية بل الابتزاز أحيانا، وهي كلها أعطاب عجزت الحكومة عن معالجتها في العمق، بل إنه وبعد مرور أكثر من 7 سنوات على دستور 2011، فالحكومة لم تستطع إخراج ميثاق المرافق العمومية الذي يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارة العمومية كما هو منصوص عليه في الفصل 157 من الدستور.

لقد مر على خطاب جلالة الملك عام  حيث شخص جلالته وكشفعن  واقع الادراة المغربية، والحكومة لم تحرك ساكنا، والخوف ضياع المزيد من الوقت بهذا الخصوص.  إن تحقيق مناخ سليم وحافز للاستثمار، عملية مركبة تتطلب جملة من الإجراءات، تمتد أولا من تدعيم مجال الحقوق والحريات، فتحقيق الشعور العام بسمو القانون، وتساو الجميع أمامه، وترسيخ حرية الرأي وممارسة الحق في الاحتجاج السلمي والقانوني عوامل محددة في بناء الثقة، باعتبارها الركن المعنوي الأساس لدى الرأسمال،

ولا يمكن مطلقا، تعزيز الثقة ما لم تمتلك الحكومة، إرادة صلبة لمحاربة الفساد، لا التعايش معه، والذي لا زال للأسف الشديد ينخر الاقتصاد المغربي، وهو تحد حقيقي أمام الحكومة التي غيبت مطلقا هذه الأولوية من شعاراتها بعدما كان شعارا انتخابيا لامعا وجذابا قبل سنوات، قبل أن تكشف الأيام والتجارب زيفها وعدم صدقيتها، وهو ما ساهم ويساهم للأسف الشديد في فقدان الفعل السياسي لجاذبيته، بل إن مصداقية مؤسسة الحكومة تهتز في غياب المصداقية والمعقول، لأنه بكل بساطة، فالأيام كشافة.

- السيد رئيس الحكومة انتوما ربحتو الانتخابات بشعار صوتك فرصتك لمحاربة الفساد، فين هو هاد الشعار مابقيتوش تتكلمو عليه ولا تجبدوه .

 إن كل المؤشرات والأرقام تفقد قيمتها ما دام اقتصادنا غارقا في المحسوبية واقتصاد الريع، ومادامت الحكومة عاجزة أمام ممارسات التركيز الاقتصادي، وغير قادرة على تحقيق بل فرض شروط المنافسة الحرة والنزيهة، وما دام مناخ الاستثمار المحلي يقتل سنويا الاف المقاولات الشابة، ويقتل معها أمال الاف الشباب المغربي، الذي أضحى يحلم بالهجرة لتحقيق أحلامه، بعيدا عن وطنه، حيث حكومته تشتغل في غياب أي رؤية استراتيجية لجعل الوطن مساحة لتحقيق الاحلام والارتقاء الاجتماعي.

ويهمنا هنا أن نعيد التأكيد، أن اعتماد تدبير عمومي جديد، أضحى ضرورة ملحة، تدبير يجب أن يرتكز أساسا على تحقيق المساواة والانصاف وتكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية بين جميع المواطنين، وبما يحفز ويشجع المبادرة الحرة،

فالمبادرة الحرة ستختنق لزاما إذا ما استمرت الحكومة في رعاية المحسوبية والزبونية، والوقوف موقف المتفرج من استفحال ظاهرة الرشوة والابتزاز الاقتصادي.
ولابد من إعادة التأكيد هنا أن الحكومة ملزمة بالتطبيق الصارم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتباره مبدأ دستوريا فارقا ومهما، لتعزيز نجاعة الأداء، وتكريس حس المسؤولية والصدقية تحمل المسؤولية العمومية.

-  هاد الكلام اللي قلت السيد رئيس الحكومة بغيناه يكون حقيقة وأن كل شاب مغربي يحس أنه يمكن ليه يحقق أحلامو وذاتو فبلادو ماشي ضروري يكون عندو...وسيظل الاستثمار الخارجي والداخلي هشا، ما دامت السياسة الحكومية في مجال تأهيل القطاع غير المهيكل رهينة لبعض المبادرات المعزولة، وهنا لابد من تنبيه الحكومة إلى جملة المشاكل والأعطاب التي لازال يتخبط فيها "المقاول الذاتي"

- راه الناس اليوم مابقاتش باغيا تستثمر ودير الشركات وتخلص الضرائب وتحصل مع الإدارة، انتوما كتدفوعا الناس يمشيو القطاع غير المهيكل.

إن الغاية الكبرى من اعتماد بلادنا لسياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الخارجي المباشر، هو تعزيز التنمية المحلية، ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف في غياب التوطين العادل للاستثمار، فالتعادلية الاقتصادية تقتضي أن تعمل الحكومة على تحقيق كل الظروف وعلى قدم المساواة بين كل الجهات، لجعها موطنا جذابا للاستثمار، بدل التركيز على مناطق وجهات بعينها، وهو ما يساهم للأسف في تكريس هوة التنمية، وتوسيع الفوارق المجالية. (توزيع المناطق الصناعية والحرة)

بلادنا ماشي مراكش والدارالبيضاء والرباط وطنجة راه بلادنا من الكويرة لطنجة ميمكنش تأهلو مناطق وتخليو أخرى فارغة... بغينا الاستثمار يوصل البلاد كاملةوفي المحصلة هي إجراءات تستلزم بداية، حكومة قوية ومنسجمة، لا مفككة وتعيش على وقع انقسامات معلنة، وتشتغل وفق رؤية استراتيجية، وأولويات واضحة، وتدابير ناجعة، وبحس استباقي في مواجهة جملة التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، بهدف استرجاع الثقة، تلك الثقة التي اهتزت في الحكومة الحالية  لدى شرائح واسعة من الشعب المغربي للأسف الشديد.
 
 



في نفس الركن