عقد مجلس النواب جلسة تشريعية عمومية يوم الاثنين 23 يوليوز 2018، خصصت للتصويت على المشاريع الجاهزة، وفي هذا الاطار ناقش المجلس وصوت على مشروع القانون رقم60.17 المتعلق بتنظيم التكوين المستمر لفائدة اجراء القطاع الخاص و بعض فئات مستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية والأشخاص الاخرين غير الاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، وقد تميزت هذه الجلسة بتدخل الأخت خديجة الرضواني باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية جاء فيه.
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، في مناقشة مشروع القانون رقم60.17 المتعلق بتنظيم التكوين المستمر لفائدة اجراء القطاع الخاص وبعض فئات مستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية والأشخاص الاخرين غير الاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.
وهي مناسبة لنجدد التأكيد في الفريق الاستقلالي، على مواقفنا الثابتة في دعم كل الاوراش الهادفة إلى تعزيز تنافسية المقاولة و اليد العاملة المغربية من خلال تمكينها من مختلف الميكانيزمات و الوسائل الرامية إلى مساعدتها على مواكبة مختلف التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يعرفها سوق الشغل العالمي .
إن الثروة الحقيقية التي تزخر بها بلادنا هي الإنسان، بل إنها الرأسمال الأساس والذي لا ينضب، وفي مقدمتها الفئة النشيطة، والتي تبلغ أكثر من 23 مليون مواطن تساهم بكد، في تحقيق تنمية الوطن، و هو ما يفرض أن تكون معه هذه الفئة المنتجة للثروة، خاصة، من أجزاء القطاع الخاص و مستخدمي المؤسسات و المقاولات العمومية و المزاولين لأنشطة خاصة، محط اهتمام وعناية كبيرين من طرف مختلف السياسات العمومية، وخاصة عبر خلق و تعزيز كل الآليات الهادفة لتحسين الوضعية الاجتماعية و المادية للشغيلة المغربية في أفق الرفع من تنافسية سوق الشغل الوطني و تأهيله لتحقيق جاذبية استثمارية عالية.
لكن الحقيقة إن الحكومة، لم تتمثل جيدا إلى اليوم ، الدور الحيوي الذي تضطلع به هذه الفئة من المواطنين، وهو ما عكسته إرادتها الضعيفة في إنجاح الحوار الاجتماعي عبر نهج سياسة الهروب إلى الأمام و محاولة فرض الأمر الواقع تحت ذرائع واهية، خاصة عبر تقديم عرض اجتماعي ضعيف جدا في مقابل مطالب اجتماعية مشروعة و عادلة بعد سنوات في المماطلة و الإقبار.
فالعناية بفئة الاجراء و مستخدمي القطاع الخاص والمزاولين لأنشطة خاصة هو كل لا يتجزأ، ويقتضي نظرة استراتيجية تعترف وتعبر من خلالها الحكومة عن قناعتها وإرادتها السياسية الواضحة بأهمية ادوار هذه الفئة الهامة من المواطنين، و ليس تخصيصها بإجراءات حكومية متقطعة، تكون في الغالب، تبعا لإملاءات دولية.
والحقيقة أن الفئة التي يستهدفها مشروع القانون قيد الدرس اليوم، ورغم انخراطها الوطني في تحقيق التنمية و تطوير الإنتاج الوطني، فإنها تعيش أوضاعا اجتماعية ومادية و إنسانية صعبة جدا خاصة في ظل استمرار تدهور قدرتها الشرائية في مقابل استمرار ارتفاع الأسعار و كلفة العيش.
إنها سياسة الكيل بمكيالين، تلك التي تنهجها الحكومة في تعاطيها مع قضايا الشغيلة المغربية، فهي من جهة تؤكد دائما على دعوتها إلى مزيد من الصبر والجهد و العطاء من اجل تطوير الإنتاج، حيث يشتغل مئات ألاف الأجراء بالقطاع الخاص في ظروف اجتماعية مهنية صعبة، لا تحترم في كثير منها حتى مقتضيات مدونة الشغل في مقابل مقايسة الحكومة لتحسين ظروفها بالكلفة الاقتصادية و المالية الصرفة بعيدا عن المقاربة الاجتماعية، فالحوار الاجتماعي البناء ليس ترفا ولا منة حكومية، بل شرطا أساسيا لتحقيق التنمية التي يظل فيها الأجير و العامل المحرك الاساس.
و إذا كان مشروع القانون قيد الدرس اليوم يهدف فيما يهدف إليه إلى تحقيق جزء مهم من هذا الطموح/الحق، فان إقباره منذ سنة 2014 تاريخ المصادقة عليه في احد المجالس الحكومية قد عكس بجلاء الانتظارية الكبيرة التي تطبع عمل الحكومة، وهو يطرح سؤالا أساسيا حول الدوافع وراء الدعوة الاستعجالية لمحاولة تمرير هذا المشروع في دورة برلمانية استثنائية غريبة في الوقت الذي لم تستثمر فيه الحكومة الربعة اشهر من الزمن السياسي الهام وهي مدة الدورة الخريفية، اللهم انه عنوان بارز للارتجالية.
إن قناعتنا راسخة بأهمية التكوين المستمر ودوره الحيوي في الرفع من تنافسية المقاولة المغربية و تثمين اليد العاملة المغربية، بل انه حق دستوري ثابت حسب منطوق الفصل 31 من الدستور ، لذلك فقد كنا نتطلع في الفريق الاستقلالي أن تقوم الحكومة قبل إحالة مشروع القانون على البرلمان، بإعداد دراسة تقييمية للبرامج الوطنية السابقة للتكوين المستمر والذي كانت تستفيد منه المقاولات الكبرى بصفة خاصة، دراسة تحدد بدقة نجاعة هذه البرامج و مدى تحقيقها لأهدافها و بأي نسب و حجم تكلفتها المادية باعتبارها تمول من المال العام.
و لا يحتاج الآمر هنا أن نذكر الحكومة، أن المواد 19و 21 من القانون التنظيمي 65.13 المتعلق بتنظيم و تسيير أشغال الحكومة والوضع القانون لأعضائها يلزم الحكومة بإعداد دراسة للأثر بمناسبة من تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم، وهي حاجة يعكسها حجم الأهداف التي أعلنت عنها الحكومة بمناسبة تقديم مشروع القانون وهو تكوين 10 ملايين من المستهدفين سواء من الصناع التقليديين أوالحرفين أو الفلاحين أو الصيادين وعدد أخر من أجراء القطاع الخاص ومستخدمي المقاولات و المؤسسات العمومية. فهل نحن أمام برنامج "راميد " جديد و الذي لا يعكس حجم المستفيدين منه ولا المتحصلين على بطائقه حقيقة الوضع والخدمات الصحية ببلادنا ؟
إن أهم خلاصة يمكن الوقوف عليها، بمناسبة النقاش العمومي حول النموذج التنموي لبلادنا، و الذي لم تفتح بشأنه الحكومة بعد حوارا وطنيا أفقيا وواسعا، هو وجود جملة من السياسات العمومية التي رفعت أرقاما ضخمة و طموحة قبل أن تصطدم بواقع أخر، وهو التخوف الذي نعبر عنه في ما يخص التكوين المستمر. فهل وفرت الحكومة العدد الكافي من المكونين المتخصصين لتحقيق الأهداف المعلنة للمشروع ة التي تبدو غير موضوعية.
إن الجواب عن هذا السؤال بسيط وواضح و هو ان بنية التكوين ببلادنا لا تسمح بتحقيق تكوين مستمر ذي جودة لنصف الهدف المعلن، خاصة و إن الحكومة لم تعمد إلى نهج مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين كالمجلس الأعلى للتربية و التكوين و الخلاصات القيمة التي خلصت إليها الدراسة التي أنجزها المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي تحت عنوان "التكوين مدى الحياة".
من منطلق إرادتنا في الفريق الاستقلالي و بغية المساهمة من موقعنا في المعارضة، في تجويد مشروع القانون، قيد الدرس و الرقي بمضامينه و مقتضياته بما يحقق أهدافه، فقد تقدمنا في الفريق الاستقلالي ب 18 تعديلا استهدفت : التنصيص على إلزامية و تلقائية حفاظ الأجراء على أجرتهم أثناء استفادتهم من التكوين المستمر مع التحديد الدقيق الفئات المستهدفة إضافة فئة الجمعيات و التعاونيات باعتبارها مشغلا لآلاف الأجراء تعزيز اختصاصات المجلس الإداري خاصة عبر تمكينه من رصد المهن و حاجيات في مجال الكفاءات و نوعيتها و استمرار إنتاجيتها تحديد الحدود الدنيا للتكوين المستمر الأزمة للحصول على الاشهاد بواسطة شهادة أو دبلوم عن فترات من التكوين المستمر. تعزيز الحكامة خاصة عبر ضمان تمثيلية متوازنة بالمجلس الإداري تضم مختلف الفاعلين و خاصة عبر إضافة تمثيلية الجهات باعتبار التكوين المستمر اختصاصا ذاتيا للجهات فضلا عن تحديد الأزمة لانعقاد المجلس الإداري الحرص على التنصيص على آجال معقولة لصدور النصوص التنظيمية الواردة في المشروع.
و إذا كان الآمر كذلك، فان إصرار الحكومة على رفض جميع تعديلات الفريق الاستقلالي رغم إقرارها الضمني بأهميتها و لأسباب يعرفها الجميع و اعتبارا لتقديرنا أن التنفيذ الأمثل لمقتضيات هذا المشروع تستلزم الإعداد القبلي لكافة الظروف المادية و البشرية اللازمة فضلا عن ضرورة تنفيذ مقتضياته بما يستلزم من حكامة جيدة، بما يعني أنها بحاجة ماسة اليوم إلى سياسات عمومية نوعية و مدروسة و ليس فقط برامج معزولة بأرقام ضخمة بل خيالية، تنذر كل الظروف بعدم نجاعتها، لهذه الأسباب فإننا في الفريق الاستقلالي نعلن أننا سنصوت بالرفض لمشروع القانون 60.17 المتعلق بالتكوين المستمر.