تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور في فقرته الثالثة والمواد 278 الى 283 من النظام الداخلي لمجلس النواب عقد هذا الاخير يوم 23 يوليوز 2018 جلسته الشهرية العمومية المخصصة للأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة المتعلقة بالسياسات العمومية، وقد تميزت بالمشاركة المهمة للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية حيث تساءل في موضوعي التعليم والوضعية المالية والاقتصادية الصعبة..
وفي تعقيبها على جواب رئيس الحكومة تناولت الكلمة الاخت رفيعة المنصوري، موضحة أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، على ارض الواقع، تعاكس تماما المعطيات التي تقدمها الحكومة، وتوجهت إلى رئيس الحكومة قائلة:
يقال إن الارقام خداعة، وكثير من الارقام التي تفضلتم بها اليوم، تتكسر ببساطة على صخرة الواقع، واقع يقر فيه شركاؤكم قبل الفاعلين المحليين والدوليين، بوجود أزمة مالية واقتصادية خانقة ببلادنا.فكل المؤشرات والنسب، تبقى بدون قيمة ما لم تنعكس اثارها ايجابا وبصفة مباشرة على المواطن، وعلى مستوى معيشه اليومي وقدرته الشرائية.
والحقيقة أننا نعيش اليوم في ظل حكومتكم، حالة من الانتظارية الغريبة، حيث إن كثيرا من إجراءاتكم على المستوى الاقتصادي والمالي، تبدو كإجراءات حكومة لتصريف الأعمال، حيث تغيب الرؤية والتدبير الاستراتيجي، وهو ما عكسه بجلاء الارتباك الحكومي في تدبير عدد من الازمات الاجتماعية التي واجهتها البلاد، والتي كشفت عن ضعفا حكومي بين في التعاطي معها، كما كان الشأن بالنسبة لظاهرة المقاطعة وعدد من الحراكات الاجتماعية التي شهدتها عدد من الأقاليم عندما اختارت حكومتكم سياسة الهروب إلى الأمام تارة، والانحناء لعاصفة الغضب الشعبي الناتج عن مطالب اجتماعية صرفة تارة أخرى في تهرب غريب من تحمل المسؤولية.
وبصرف النظر عن كثير من الالتزامات الحكومية التي وردت في التصريح الحكومي، والتي كشف الواقع الملموس أنها في مجرد أرقام طموحة بل حالمة أحيانا، خاصة في ظل استمرار تصدع أغلبيتكم الحكومية، فإن مظاهر الأزمة الاقتصادية والمالية تبقى عديدة وعلى رأسها تباطؤ نسبة النمو الضعيفة أصلا، والتي سجلت تراجعا في الربع الاول من هده السنة مسجلة 3,2 في المئة مقابل 3,5 في المئة السنة الماضية، نسبة نمو تبقى رهينة للتقلبات المناخية، خاصة في ظل ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني وهشاشة قدرته التصديرية وهزالة محتواه التكنولوجي وهو ما يلخصه بجلاء، عدم قدرة الاقتصاد الوطني على إحداث عدد كاف من مناصب الشغل، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
ان التركيز على عرض عدد من الارقام الخاصة بالتوازنات الماكرواقتصادية، ومحاولة تصويرها كفتوحات اقتصادية غير مسبوقة، والتي أضحت هاجسا حكوميا مفرملا لتطوير الاقتصاد الوطني، لا يخفي في الحقيقة عدد من المؤشرات الدالة على تفاقم الازمة الاقتصادية ببلادنا، والتي يمكن اجمالها في المحددات التالية:
استمرار تدهور جاذبية الاقتصاد الوطني حيث سجل النصف الاول من هده السنة المالية تراجعا بنسبة 33,1 في المئة في حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة مقارنة فقط بالسنة الماضية بما مجموعه 4,97 مليار درهم، وهو ما يؤكد فشل الحكومة في تحسين مناخ الاستثمار وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، فالثقة لا تعني ما قامت به الحكومة من اجراءات موازناتية صرفة لضمان اللجوء السلس للقروض الدولية، بقدر ما تعني ثقة الاستثمار الخارجي المباشر ببلادنا والذي يتناقص باستمرار. التراجع الخطير في مردودية الاستثمار حيث ارتفع المعدل الوطني لتحقيق نقطة واحدة من النمو إلى 8 بالمئة انحسار استغلال عدد من المناطق الصناعية في كل جهات المملكة باستثناء محور طنجة القنيطرة الدار البيضاء، لتظل معه هده المناطق الصناعية شبه مهجورة، وهو ما يعكسه بأسف كبير، تسجيل افلاس أكثر من 8000 مقاولة مغربية في سنة واحدة. استمرار ارتفاع نسب البطالة، وقدرة نمو الاقتصاد على امتصاصها، حيث في الوقت الذي يحقق فيه الاقتصاد الوطني 50.000 من منصب شغل يكون معه عدد الطلبات المقابلة اكثر من 200.000، وهو ما يشكل عجزا كبيرا في امتصاص الساكنة النشيطة والتي تبلغ 23 مليون مواطن، هم في الحقيقة الرأسمال الحقيقي للوطن. استمرار ضعف القدرة التصديرية، حيث باستثناء ارتفاع صادرات قطاع السيارات في النصف الاول من هذه السنة ب 40 بالمئة فان القطاعات الاقتصادية الوطنية لم تحقق ارتفاعا يذكر، خاصة في ظل غياب نجاعة الاجراءات الحكومية لتعزيز تنافسية المنتوج الوطني وتقوية القدرة التصديرية للمقاولة المغربية حيث يبقى الفوسفاط ومشتقاته متربعا على رأس سلة الصادرات الوطنية وهو ما يجعل اقتصادنا اقتصادا خاما، وهو يؤكد للأسف تراجع حجم العائدات من الضريبة على الشركاتis استمرار اختلال التوازن التجاري مع دول اتفاقيات التبادل الحر خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا و تركيا وهو ما يسائل الحكومة حول نجاعة هذه الاتفاقيات خاصة في ضل ضعف تأهيل الاقتصاد الوطني في مواجهتها. في الوقت الذي يجمع فيه كل الفاعلين على انحسار النموذج التنموي لبلادنا,وهو ما حسمه جلالة الملك في خطاب ملكي ,وفي الوقت الذي تحقق فيه الدول السائرة في طريق النمو كتركيا والبرازيل والهند نسب نمو تفوق 7 بالمئة، مع ناتج داخلي اجمالي ضخم، فان الحكومة تستمر في نهج سياسية ترقيعية حيث يستمر التخبط الضريبي خلال كل مشروع قانون للمالية , مما حول بلادنا الى جنة ضريبية للشركات الكبرى فيما تتحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة العبء الضريبي الأكبر ,خاصة ان حجم الاعفاءات الضريبية التي بلغت اكثر من 30 مليار درهم في قانون المالية 2017 وقبلها في 2016 لم تحقق الانعاش الاقتصادي المرجو منها، بل ان الحكومة لم تلجأ بعد الى فتح حوار وطني واسع حول النموذج التنموي لبلادنا، والذي بلغ مداه وأضحت معه عدد من السياسات العمومية والمخططات القطاعية بدون اضافة نوعية وهو ما أكد التقرير الاقتصادي ل OCDE والذي أكد ان عددا منها يستلزم اعادة النظر الجذري.
إن أي واقع اقتصادي أو مالي لا يرفع من حصة الفرد في الناتج الداخلي الاجمالي ولا يساهم في التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية ولا يساهم في امتصاص البطالة التي لازلت مرتفعة جدا، لا يمكن الاطمئنان اليه، لأن تدبير الاقتصاد لا يعني فقط تطوير المؤشرات الماكرواقتصادية لضمان التزود بالقروض الدولية، على حساب الدولة الاجتماعية التعادلية، لذلك فإننا لا نفتأ نذكركم أن تركيز العبئ الضريبي على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وإن كان يساهم في تحقيق هدفكم الموازناتي الصرف، فإنه يدمر تماسك المجتمع، بل ينتج الفقر، لأن اقتصادا لا يتطور، فإنه بالضرورة يتراجع وان حافظ على استقرار ناتجه الاجمالي، ويكرس بالضرورة قاعدة اغناء الغني وافقار الفقير.
وإذا كان الاقتصاد المغربي لازال رهينا لقطاع الفلاحي التقليدي، المرتبط بحجم وتوزيعية التساقطات المطرية، فإن الفلاحين المغاربة وبالرغم من مجهوداتهم الجبارة في تأمين موسم فلاحي ناجح عبر إنتاج أكثر من 100 ملين قنطار من الحبوب، فإنهم لا زالوا يرزحون تحت جملة من المشاكل البنيوية وعلى رأسها هامش الربح، أي الفارق بين تكلفة الانتاج والسعر المرجعي المحدد من طرف الحكومة، والدي يبقى ضعيفا جدا، ولا يحقق مقومات تطوير القطاع، بل حتى ضمان العيش الكريم لهده الشريحة من المواطنين خاصة الفلاحين الصغار، وهو ما يدعونا لنسائلكم مجددا اليوم، عن اجراءاتكم لاستثمار هدا المنتوج فلا يمكن أن يعاني الفلاح المغربي في مواسم الجفاف، وأن يعاني أيضا عندما يكون الموسم الفلاحي ناجحا بحمد الله تعالى، خاصة في ظل الحرب التجارية الحمائية التي تنهجها عدد من الاقتصاديات الكبرى، تثمينا لمنتوجها الوطني.
أما القطاعات الاقتصادية الاخرى، فإنه وبالرغم من تمكنها من الحفاظ على استقرار مؤشراتها، فإنه بالمقابل لا يمكن أن تساعد نتائجها في الرفع من نسبة النمو التي سبق والتزمتم بها بمناسبة التصريح الحكومي والمحددة بين 4,5 و 5,5 في المئة كحد أقصى.
إن تحقيق التنمية المستدامة كل لا يتجزأ، لذلك فإن تحقيق هذا الهدف ينطلق أساسا من بناء الثقة في دولة المؤسسات والقانون والحرية والكرامة وحقوق الانسان وربط المسؤولية بالمحاسبة، ثقة تكشف جل الدراسات الاجتماعية أن منسوبها يتناقص لدى فئة الشباب، وهو أمر جلل، لذا فأن أي مجهود اقتصادي أو مالي يستلزم مواكبته بإجراءات لتعزيز الثقة ومحاربة اليأس، وببساطة ننحن في حاجة لحكومة إنصات حقيقي، وإنجاز فعلي، نحن بحاجة للعمل الجماعي لصناعة الأمل.