بمناسبة ذكرى الزعيم علال الفاسي.. "التضامن" مرادف "للمواطنة"

الاثنين 18 ماي 2020

بقلم شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال

تحل هذه الأيام الذكرى السادسة والأربعين لرحيل (الزعيم علال الفاسي) في ظروف استثنائية تمر بها بلادنا كغيرها من دول العالم ، ظروف رغم قساوتها على الأفراد والجماعات والدول، فقدابانت ، بالنسبة لبلادنا،عن جوانب ايجابية في مجتمعنا المغربي، وفي مقدمة هذه الايجابيات انبعاث روح "التضامن" ، اذ استعادت الأسر من مختلف طبقات المجتمع معاني قيم التكافل، وروح الحميمية الأسرية والإجتماعية، علاوة على الثقة في " لتدابير الرسمية" المتخذة في إطار "الحجر الصحي" للوقاية من تفاقم انتشار( جايحة كورونا)، كما اسهمت الدولة في اذكاء هذه "المشاعر التضامنية"، وساهمت في تخفيف تداعيات الازمة على العديد من المواطنين بالمبادرة الاستباقية التي أعلن جلا لة الملك بموجبها احداث"صندوق مواجهة جايحة كورونا"، الذي تفاعل معه المواطنون، أفرادا ومؤسساتا، بكل أريحية وتضحية.


وقد برهنوا بهذا "السلوك " على عمق تشبع مجتمعنا بروح "التضامن" التي اولاها ( الزعيم علال الفاسي) اهمية خاصة، في تصوره المتعلق با"لمشروع المجتمعي المغربي المنشود" في كتابه الخالد "النقد الذاتي" قبل الاستقلال، وما تلاه بعدذالك من مواقف وتنظير تعادلي، مازالت الأحداث تثبت راهنيته بفضل الرؤيا الاستشرافية للزعيم ،الذي اجمع المفكرون المنصفون على ان فكره يستوعب قضايا وقته ويتجاوزها ، ومازال يجيب عل العد يد من الإشكالات المطروحة حاليا.

وقد إرتأيت بهذه المناسبة ، وانسجاما مع الظرف الذي تمر به بلادنا ، التطرق إلى جانب من اهتمام (الزعيم) بفضيلة "التضامن" و التي يعتبرها مرادفة لفضيلة "المواطنة" بمعنى "حب الوطن"،واللتين يرى أنهما تاتيان في مقدمة الخصائص المميزة لمجتمعنا ، الشيء الذي جعل (حزب الاستقلال) يحرص، دوما، على اشاعة الوعي بضرورة الدفاع عنهما ، باعتبارهما تتصدران منظومة القيم التي تشكل "الأنسية المغربية" لتظل حاضرة ،بكل ابعادها في أذهان الأجيال المتعاقبة.

ولقد داب الحزب على ابراز هذا التوجه في كل برامجه ومواقفه القديمة والحديثة ، والتي ذكر بها مؤخرا في "المشروع التعادلي المتجدد" الذي قدمه للديوان الملكي يوم 11 يناير 2019، ثم سلمه للجنة المكلفة باعداد الصيغة النهائية للنموذج التنموي المرتقب، حيث أكد الحزب في ديباجة مشروعه، (الذي قرر الان ايضا مراجعته وتحيينه على ضوء تداعيات (مابعد كورونا) لملاءمته مع ما تقتضيه الوضعية المستجدة وطنيا وعالميا) اكد على أنه:

"مؤطر بثوابت الحزب ومرجعياته الفكرية والسياسية ورؤيته لقضايا الدولة والمجتمع، ،كما يستوعب الانسيةالمغربية بمختلف روافدها المتنوعةوالمتجانسةوالمتكاملة ،ويأخذ بعين الاعتبار رهانات تحصين الهوية والوحدة الوطنية،وتقوية روابط الانتماء للوطن وتجذير روح المواطنة،
ومبني على خيار التعادلية الاقتصادية والاجتماعية،وهو الخيار الذي يروم تحقيق مجتمع تعادلي متوازن ومتضامن ".

الشيء الذي يعتبر استمرارا للتوجه الذي أكد عليه الزعيم بالدعوة إلى ضرورة إعداد الحزب وضبط اختياراته الفكرية والسياسية ببرنامج واضح ورسم خارطة طريق تحدد فيها الأهداف المراد بلوغها لضمان مواصلة المسار إلى الأمام، حيث جاء في (ص111) من النقد الذاتي: 

"والذين لا يضعون أمامهم كعبة السير (الهدف المقصود)وينظرون أثناء ذالك إلى خارطة الطريق هم الذين يقفون عند نقطة ما ويتقهقرون(يتراجعون)،"

ويضيف في مجال اختيار الافكار:
"والواجب قبل كل شيء ان نضع نصب أعيننا الغاية التي نعمل لها ،ونكافح من اجلها،وهي طبعا خدمة المجتمع،واعلاء شأنه، وتعريفه بنفسه،وأشباعه بروح الدفاع عن حقوقه والأداء لواجباته...ومدار كل ذالك هو متابعة وجود الأمة المغربية،وخلود القيم الفكرية والروحية التي كونتها،وكل فكرة تعمل على حل رابطتها وتمزيق وحدتها،والقضاء عليها كامة مغربية لها مقوماتها الخاصة،فهي فكرة لا يمكن ولا يجوز أن تجد لها محلا من قبو لنا واعتبارنا."

وبذا يتبين أن الزعيم كان حريصا على خدمة المجتمع وصيانة وحدته، فالوحدة والتضامن واجب على كل مواطن العمل لصيانتهما من اجل مصلحة الجميع تجسيدا لروح المواطنة ،
وفي هذا السياق يقول الزعيم في إحدى محاضراته بعنوان : "نحو وحدة اسلامية":

"فمجتمعنا يجب أن يكون متضامنا لان جميع أفراده سواء، ومكلفون بإقامة العدل، والدفاع عن البلاد وتنمية اقتصادها، وتقويةالإنتاج الذي يتوقف عليه سكانها،ونشر الفضيلة بين افرادها، وهذه هي "المواطنة" التي تعني"التضامن" بين جميع مواطنينا، "المواطنة" تقتضي ان يقوم كل فرد بما تقتضيه مؤهلاته في مختلف المجالات والقطاعات،فكل الأعمال التي يتوقف عليها المجتمع نحن مطالبون بتطبيقها،وتدبيرها والسير فيها على مقتضى نواميس الكون ، وغير ذالك من الأشياء التي تتوقف عليها الإنسانية، لان المجتمع متوقف على بعضه."

وان الظرفية التي تمر بها بلادنا والعالم من حولنا قد فرضت على الجميع ان يفكر بشكل جماعي وطنيا وعالميا ،وأن نتحلى بروح "المواطنة الفاعلة" لكسب رهانات ،و تحديات، ما بعد هذه" الازمة" التي لاشك أنها ستترتب عنهاتحولات عميقة تخترق الجسم الاجتماعي العالمي، ولا تعترف بالحدود،وقد تؤدي الى تغيرات متفاوتة في أنماط الحياة لدى المجتمعات، ومراجعات في العلاقات الدولية.

واذا كانت بلادنا قد تعاملت مع هذه الجايحة، في وقت مبكر، بحزم ورؤيا استباقية جنبت مواطنينا مخاطر كبيرة ،فإنها مطالبة بالتعامل مع( ما بعد كورونا) بدرجة اكبر لإعداد التصورات المستقبلية المجدية اللازمة، استعدادا للخروج من الأزمة وجعلها فرصة، تصبح معها بلادنا أقوى مناعة، ومواطنونا أكثر تضامنا ، وتشبعا بروح المواطنة ، وذالك باتخاذ تدابير تدفع باتجاه تكريس الثقة الضرورية في مؤهلات بلادنا البشرية والمادية والمعنوية، للانطلاق بالسرعة الملاءمة لمواكبة المسار العالمي الجديد،
واعتقد ان في مقدمة ما ينبغي إعطاؤه عناية خاصة، الى جانب بذل مزيد من الجهود للدفع بعجلة التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبيئية، هو تثبيت الفكر والخطى على درب المسار الديمقراطي في كل أبعاده وتجلياته،وخاصة حرية التعبير والتمتع بالحقوق التي ضمنها دستور 2011, وصيانة المكتسبات والبناء عليها، والحذر من الاقدام على ما قد يشكل مسا بها، او تراجعا ، في هذا المجال، بالإضافة الى مالا يسهم في تحقيق الغاية المرجوة من العمل على رفع منسوب الثقة في المؤسيات الدستورية ، والحد من ما يصب في اتجاه تبخيس العمل السياسي.

كما يتعين ان تتوجه إرادة الجميع بشكل زايد الى تحفيز و تقوية الاحزاب السياسية و كل الوسائط القانونية الفاعلة في ضمان السلم الاجتماعي،لانه لا ديمقراطية حقيقية بدون أحزاب ونقابات جادة ، قادرة على الاضطلاع بدورها الدستوري التاطيري ، لتوجيه الرأي العام والدفاع عن تطلعات الأفراد والجماعات بما يخدم الصالح العام ، وتحظى بثقة وتقدير شرائح عريضة من المواطنين وخاصة الشباب والنساء.

و ما نقصده هنا هو كما يقول الزعيم :
"الاهتمام بمصالح الأمة ولو كانت ظروفها الظاهرة لا تعبر عنها وهو ما لأيعني طبعا ان نتملق الجمهور ونجاريه فيما يريد، ولو كان عكس المصلحة العامة،(الشعبوية )،خصوصا اذا كان الجمهور قد أحاطت به عوامل الشر وبواعث الفساد حتى أصبح من الصعب عليه التعبير عن ما يريد ويتمنى،"

هذا علاوة على ما ينبغي أن تقوم به الاحزاب من بلورة ءاراء المواطنين ، واسماع صوتهم
الرقابي ،وتمكينهم من ممارسة حق الرقابة الذي نص عليه الدستور ، باعتبار ذالك من تجليات الديمقراطية التشاركية ودليلا على التمتع بحقوق المواطنة والرقابة الشعبية المؤطرة.

وفي هذا السياق يؤكد الزعيم في ( ص155) على " ضرورة المراقبة الشعبية لأعمال القاءمين بالحكم، وهذه المراقبة حق لكل مواطن ذكرا كان أو انثى،مهما كانت قيمته... ،لان التمتع بحق المواطنة كاف للحصول على كل ما يمكن أن يدركه المواطن من غير نظر للفوارق المذهبية او العنصرية أو الاجتماعية." 
وأمام هذا الوضع الحالي الاستثنائي وطنيا وكونيا ،قد يتساءل البعض عن ما اذا كانت بلادنا ستحافظ على هذه "المشاعر التضامنية" ،وروح "الاجماع الوطني المتميز" ، و"تقوية الجبهة الداخلية"، للتغلب على ما تتطلبه معارك اليوم والغد؟.

للجواب على هذه التساؤلات وغيرها يقول الزعيم:
"واظن أننا الآن في تجاوبنا مع الحاضر سنصل لا محالة إلى الاقتناع بضرورة استمرار هذا الخلق المغربي( التضامن)،ولنا الحق في أن نختار من المبادىء ما نشاء ، ولكن لا يد من ان نصهرها ونكيفها بالطبيعة المغربية التي تحب الاستقلال في كل شيء،" 

ويضيف في ص:157/158 : "فالمسألة اذا،مسألة التضامن التام بين الملك والحكومة والامة لحماية التراث الروحي والمادي لهذا الشعب،،،على قاعدة الفرد للجميع والجماعة للفرد،وليس في الأمة فرد لا يمكن أن تستفيد منه البلاد،كما انه ليس فيها شخص لا يتوقف على عون الاخرين ومعاونتهم".

1. وهكذا نرى ان الزعيم كان مدركا في العمق خصوصيات "الشعب المغربي" المتشبع بروح "التضامن" المرادفةعنده "للمواطنة" التي تعني "حب الوطن " ، ومستوعبا لروح عصره ، وسابقا لزمانه، وسيظل حاضرا مع كل الأجيال، لان حياته الحقيقية ملازمة لفكره المتنور الدائم الحضور و المتعدد الابعاد ، اذ هو في الحقيقة منهاج معرفي متشعب، وجامعة متعددة الاختصاصات،للتكوين المتنوع والمستمر العابرللزمان والمكان.
واختم ببيت شعري من قصيدة سبق لي ان نظتمها بإحدى الذكريات الماضية في بهذا المعنى :
( "علالُ" ِفكرٌ و منهاجٌ و مدرسةٌ..................
....حياته الفكر لا روحٌ ولا جَسد).

رحم الله الزعيم علال الفاسي.




في نفس الركن