التأم المجلس الوطني لحزب الاستقلال في دورته العادية عن بعد، بسبب استمرار حالة الطوارئ الصحية ببلادنا، وذلك يومي السبت 17 و 24 شوال 1442، الموافق على التوالي لـ 29 ماي و5 يونيو 2021، برئاسة الأخ شيبة ماء العينين رئيس المجلس، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 81 من النظام الأساسي للحزب.
وتميزت هذه الدورة بالعرض السياسي الهام الذي قدمه الأخ الأمين العام للحزب الدكتور نزار بركة، والذي تناول فيه راهنية الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا، في سياقات الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وتبني النموذج التنموي الجديد.
وبعد النقاشات المستفيضة والعميقة التي ميزت تدخلات الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني للحزب والذين تفاعلوا عن طريق وسائل التواصل الفوري مع مضامين خطاب الأخ الأمين العام، اتفق الأعضاء الحاضرون على إصدار البيان العام التالي:
أولا : يعبر أعضاء المجلس الوطني عن استنكارهم وشجبهم القوي للمواقف العدائية والممارسات اللاأخلاقية التي قامت بها الحكومة الإسبانية على خلفية استقبالها للمدعو "ابراهيم غالي" بطريقة" الخارجين عن القانون"، في خرق سافر للقانون ولكل الأعراف الدبلوماسية، وقواعد حسن الجوار. كما أنها تطرح تساؤلات جدية حول تسهيل الهروب من المحاكمة والإفلات من العقاب لشخص متهم بارتكاب جرائم خطيرة ضد الإنسانية وبممارسة التعذيب، والاغتصاب والإرهاب والاختطاف.
وفي هذا الصدد يدعو المجلس الوطني الحكومة إلى القيام بتقييم حقيقي لأوجه التعاون مع إسبانيا في شتى المجالات، بما فيها تلك المرتبطة بقضايا الأمن والهجرة والتهريب والإرهاب، ورفض دور الدركي الذي تريد اسبانيا وأوربا أن يلعبه المغرب. ويؤكد على ضرورة استرجاع كافة الأراضي المغربية المغتصبة بما فيها المساعي المشروعة بخصوص سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
ويعتبر أن مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية رهين بمدى احترام السيادة الوطنية والمصالح العليا للمملكة المغربية كشرط أساسي لاستعادة الثقة المفقودة، كما يطالب اسبانيا بتحديد موقفها من القضية الوطنية، وبدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية خصوصا بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، والمساهمة في الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل من طرف خصوم وحدتنا الترابية، من أجل المضي قدما نحو بناء المستقبل المشترك.
ثانيا : ينوه المجلس الوطني عاليا بقرار جلالة الملك محمد السادس نصره الله، القاضي بإعادة جميع القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم بدول الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المغربية، وهو القرار السيادي الذي يترجم البعد الإنساني والاجتماعي الذي ميز على الدوام النهج الملكي الحكيم في التعاطي مع قضايا المجتمع .
ثالثا: يندد المجلس الوطني بالتصريحات اللامسؤولة والخرقاء للطغمة الحاكمة في الجزائر والتي تعبر عن حقد دفين وعقيدة مستبدة تشتغل بلا هوادة ضد مصالح الشعبين المغربي والجزائري، وتنفث سمومها للتفريق بين الإخوة الأشقاء في كلا البلدين، وتحاول عبثا تصدير الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تئن تحتها الجزائر، والتغطية على أزمتها الداخلية ومحاولة إلهاء الشعب الجزائري عنها.
وتؤكد بهذه المناسبة أن المغرب الذي تميز دائما بالحكمة والاتزان في تعاطيه مع استفزازات الجار الشرقي، سيستمر بكل صرامة وحزم في الدفاع عن وحدته الترابية وحماية مصالحه العليا، وبناء نموذجه التنموي الجديد، ولعب أدواره الرائدة إقليميا ودوليا، وقيادة الشراكة الإفريقية والتعاون جنوب جنوب، ولن يتخلى عن ايمانه بضرورة بناء المغرب الكبير الذي وضع أسسه مؤتمر طنجة التاريخي سنة 1958 باعتباره مطلبا شعبيا لا محيد عنه.
رابعا : يجدد المجلس الوطني تأكيد موقف الحزب الراسخ تجاه نصرة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ويدين بشدة الحرب الظالمة الأخيرة التي شنها الكيان الإسرائيلي الغاصب على غزة والتي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين العزل بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ. ويدعو المجلس الوطني القوى الدولية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإسراع في تنفيذ تعاهداتها في شأن إعادة بناء غزة جراء ما تعرضت له من تدمير للبنيات والتجهيزات والمنازل والمنشآت.
ويشيد المجلس الوطني بالدور المحوري الذي يقوم به جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بصفته رئيسا للجنة القدس في الدفاع عن الأماكن المقدسة، وتقديم الدعم الإنساني والمادي للمقدسيين وللشعب الفلسطيني الشقيق، والتصدي لمحاولات تهويد القدس الشريف وتغيير معالم المدينة المقدسة وتغيير الحقائق التاريخية والدينية على الأرض.
ويدعو إلى إطلاق مسلسل سياسي جديد هدفه التعجيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة، والقابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشريف.
خامسا : يسجل المجلس الوطني بإيجاب مضامين النموذج التنموي الجديد الذي تم تقديمه مؤخرا لجلالة الملك، ويعتبره مشروعا طموحا وغنيا بالأفكار والتصورات الخلاقة، وقادرا على تحديد معالم الاستراتيجيات الكبرى التي ينبغي إطلاقها مستقبلا.
ويؤكد في هذا السياق على ضرورة الالتزام بالخيار الديمقراطي كمدخل أساسي للتنمية، وعلى أهمية إفراز الانتخابات المقبلة لمؤسسات تعكس إرادة التغيير والقطيعة مع مختلف مظاهر الأزمة والفساد والريع والانخراط في هذا النفس الإصلاحي الجديد بحكومة قوية ومنسجمة ومتضامنة وذات كفاءات حقيقية، وبمؤسسات منتخبة محليا وجهويا تقودها نخب جديدة ذات مؤهلات عالية، قادرة على تنفيذ مضامين النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع.
ويرى المجلس الوطني أن الاقتراحات المتعلقة بحكامة النموذج التنموي الجديد ينبغي أن تكون منسجمة مع الاختيار الديمقراطي كإحدى الثوابت الدستورية ببلادنا، وتعزز أدوار المؤسسات المنتخبة، وربط المسؤولية بالمحاسبة بمحتواها الدستوري والديمقراطي. ويؤكد في هذا الصدد على ضرورة تقوية البعد الديمقراطي، وأن تتحمل الحكومة المقبلة لمسؤوليتها كاملة في أجرأة ومتابعة تنفيذ هذا النموذج التنموي الكبير.
سادسا: يسجل المجلس الوطني بكل أسف، تراجع مؤشرات وممارسات الحريات العامة وحقوق الإنسان في عهد هذه الحكومة، والمس بالمكتسبات الديمقراطية ببلادنا، وتصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي بفعل الاختيارات اللاشعبية، وعجزها عن إحداث الانفراج السياسي والحقوقي الذي طالبت به القوى الحية ببلادنا، وتوفير الشروط السياسية والحقوقية الداعمة للمسار التنموي والديمقراطي ببلادنا.
سابعا: يطالب الحكومة ومكوناتها بتقديم حصيلة العمل الحكومي للرأي العام، انسجاما مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح نقاش حولها في الإعلام العمومي ومختلف فضاءات النقاش العمومي الأخرى، وعدم التهرب من تقديم الحساب، بلجوء مكوناته إلى تقمص دور المعارضة في محاولة لخلط الأوراق، والتملص من مسؤولياتها السياسية والأخلاقية في تدبير الشأن العام، في تنكر واضح للقواعد الديمقراطية، إذ لا معنى للبرامج الانتخابية للأحزاب المكونة للحكومة بدون تقديم حصيلة تدبيرها للحكومة أولا.
ثامنا: يجدد المجلس الوطني التعبير عن استنكاره الشديد إزاء انسياق الحكومة في الخمس سنوات الماضية وراء توجهات ليبرالية مفترسة وغير متوازنة توغلت في مفاصل وبنيات الاقتصاد الوطني بما فيها قطاعات الاستثمار الاجتماعي والمجالات الاستراتيجية، على حساب الوطنية الاقتصادية، والاعتبارات الاجتماعية، والتوازن بين الرأسمال ومصلحة الوطن، وذلك في ظل استمرار انهاك الاقتصاد الوطني بمظاهر الريع والامتيازات والتواطؤات والاحتكارات، واستسلام الحكومة لضغوطات اللوبيات الاقتصادية بالإضافة إلى غياب المنافسة الشريفة، وآليات الضبط والتقنين والمراقبة، والحكامة الجيدة، في حين تركت الحكومة المواطن وحيدا في مواجهة الجشع والمضاربات وغلاء الأسعار.
تاسعا : يسجل المجلس الوطني بكل أسف تزايد حدة الفوارق الاجتماعية في عهد هذه الحكومة، واندحار الطبقة الوسطى، وغلاء الأسعار، وازدياد حدة الفقر والهشاشة، وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وتسرب اليأس في أوساط الشباب والنساء، وكذا الكفاءات المغربية، التي لم يعد أمامها من أمل سوى الرغبة في الهجرة إلى الخارج.
كما يسجل خطورة تعميق التفاوتات المجالية في عهد هذه الحكومة، وتهميش المناطق الحدودية والمناطق الجبلية، وعدم إطلاق استراتيجيات تنموية للنهوض بها، بالرغم من مطالبنا المتكررة في هذا الشأن، والتي قابلتها الحكومة بالتعنت والآذان الصماء.
عاشرا : ينبه المجلس الوطني إلى خطورة تدهور الأوضاع العامة ببلادنا، والتي تشبه فترة ما قبل سياسة التقويم الهيكلي، وهي نفس الشروط التي كانت تهدد المغرب بالسكتة القلبية في تسعينيات القرن الماضي، ويدعو إلى التعجيل بإنقاذ بلادنا من مختلف مظاهر الأزمة العميقة والمتعددة الأبعاد، والتي لم تقم جائحة كورونا سوى بتعريتها. وفي هذا الإطار يعتبر المجلس الوطني أن المدخل الديمقراطي هو الرافد الأساسي للتصدي لمختلف مظاهر العجز، عبر المشاركة المكثفة في الانتخابات وضمان جميع شروط النزاهة والشفافية وفق مبدأ الاختيار الحر وبعيدا عن سلطة المال واستغلال عوز وفقر الناس، على أن تفرز حكومة قوية للإنقاذ، متضامنة ومنسجمة، بنفس وطني، وقادرة على قيادة التغيير الحقيقي.