جلسة المساءلة الشهرية.. عباسي يؤكد بإسم الفريق الاستقلالي أن أكبر سلاح تواجه به بلادنا هذه الجائحة هو الإجماع الكبير والتعبئة الوطنية ويدعو الحكومة إلى الاشتغال على أسوأ السيناريوهات والابتعاد في هذا الظرف العصيب عن خطاب الطمأنة الخادع

الاثنين 13 أبريل 2020

قدم الأخ عمر عباسي عضو اللجنة التنفيذية للحزب والنائب البرلماني، يوم الاثنين 13 أبريل 2020، بإسم الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية بمجلس النواب، تدخلا هاما أثناء جلسة الأسئلة الشفوية الشهرية الخاصة بمسألة السيد رئيس الحكومة، حول موضوع "التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا وتدابير مواجهتها".

وفي ما يلي التدخل الكامل للأخ عمر عباسي بإسم الفريق الاستقلالي بمجلس النواب خلال جلسة المسألة الشهرية :

صحيح أننا نجتمع اليوم في إطار جلسة دستورية لمساءلة السيد رئيس الحكومة ، ولكنها في الواقع جلسة تاريخية كي يعبر ممثلو الأمة ، عن ذلك الإجماع و التضامن و الوحدة التي يواجه بها الشعب المغربي اليوم عدو البشرية " فيروس كوفيد 19"، وكي نبعث برسالة واضحة ، وهي أن الدولة المغربية بكل مؤسساتها الدستورية معبئة، وراء جلالة الملك، حفظه الله ، لهزم هذا الوباء اللعين الذي اجتاح العالم .

إننا في الفريق الاستقلالي، معتزون بمختلف الإجراءات و التدابير الاستباقية و المواكبة التي أعطى جلالة الملك حفظه الله تعليماته السامية قصد اتخاذها ، ولأبناء وبنات بلدنا الحبيب، الواقفون في الجبهة الأمامية في هذه المعركة الإنسانية النبيلة ، من سائر العاملين في قطاعات الصحة المدنية والعسكرية والصيادلة ، والقوات المسلحة الملكية و الأمن الوطني و الدرك الملكي و الإدارة الترابية ، القوات المساعدة و الوقاية المدنية ، وغيرهم وهم كثر، نقول لهم شكرا جزيلا لكم ، ننحني لتضحياتكم الجسام ، وسنذكر طويلا تضحياتكم الوطنية النبيلة .

خالص التقدير كذلك للجماعات الترابية ولموظفيها و أعوانها ولا سيما مصالح النظافة والتعقيم، دون أن ننسى نساء ورجال أسرة التعليم على تعبئتهم المتواصلة... وعلى انخراطهم الوطني الخلاق في هذه المعركة الوطنية النبيلة.

لقد أظهر الشعب المغربي مجددا معدنه الأصيل ، وتشبعه الراسخ بالقيم الإسلامية و الوطنية، القائمة على التضامن و الإيثار و التآخي ، بيد أن خطورة الحالة الوبائية الوطنية والعالمية ، تفرض علينا جميعا مزيدا من الصبر و الحيطة و الحذر، و مزيدا من التقيد الصارم بجميع التوجيهات الصادرة عن السلطات العمومية .

السيد الرئيس

لقد سبق وأثرنا انتباه الحكومة أثناء مناقشة مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية ، إلى وجوب التطبيق الصارم لحالة الطوارئ الصحية، ولكن مع التقيد في ذلك بالمقتضيات الدستورية و القانونية ذات الصلة بالحقوق والحريات ، خصوصا ما ينص عليه الفصل 21 من الدستور "تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع".

والفصل 22 أنه "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص ، في أي ظرف ، ومن قبل أي جهة كانت ، خاصة أو عامة " ، وفي الإطار ذاته ندعو الحكومة إلى النظر العاجل و الجدي في سبل إجلاء المواطنين و المواطنات العالقين في بعض الدول والذين كانو يقومون بزيارات قصيرة لها، وكذا التفاعل مع المطالب المشروعة لمغاربة العالم الذين يودون العودة إلى بلدان إقامتهم للالتحاق بأسرهم ووظائفهم. وهناك السيد رئيس الحكومة حالات إنسانية ينبغي التواصل معها بالعناية اللازمة وبالشفافية المطلوبة، وبهذه الروح التضامنية المتميزة التي لا تقصي أحدا ولا تستثني أحدا.

وعلاوة على ذلك، ننوه بإحداث لجنة اليقظة الاقتصادية و بالقرارات التي اتخذتها ، بيد أننا نؤكد أنها ليست بديلا عن المؤسسات الدستورية، لذلك يجب أن يحفظ للبرلمان دوره الدستوري الكامل، في مواكبة ومراقبة تعاطي الحكومة مع هذه الجائحة.

السيد الرئيس

ليس المقام ولا الوقت مناسب للتفصيل في مواقفنا الثابتة من واقع منظومة الصحة في بلادنا ، التي سبق أن عبرنا عنها في هذا المجلس الموقر غير ما مرة مقرونة مببادرات واقتراحات عملية وملموسة، المشكل ظل بالأساس، مشكل حكامة التي ينبغي إصلاحها حتى لا يتم إهدار مزيد من الموارد والاعتمادات في حكامة منخورة بإختلالات هيكلية.

لا يحركنا في حزب الاستقلال هوس البحث عن النجومية العابرة على حساب المسؤولية والمصلحة الوطنية، ولا نمارس التضليل في زمن الجوائح ، بيد أن واجبات اللحظة تقتضي أن نشكر الأطقم الطبية والشبه الطبية في القطاع العام و الصحة العسكرية و المتطوعين من القطاع الخاص، كما أننا نجدد ترحمنا على أمواتنا و نقدر العناية التي يتلقاها المصابون، ونقول لهم نحن معكم والى جانبكم ، ونطالب بالمزيد من العناية الفائقة بهم.

كما نعتبر أنه يتعين الإسراع بمضاعفة الفحوصات لان التجارب الدولية برهنت أنها احد الأساليب الناجعة لتطويق الجائحة ، سنحجم الآن عن الخوض في النقاش حول الكمامات ، يكفي أن نقول أن السياق ليس سياق الدعاية الشخصية، بل يجب أن تحرص الوزارة الوصية على التصنيع بكميات كافية مع احترام المعايير الطبية العالمية، و على الترويج السليم ، لأنه لا يستقيم أن نساءل الناس على عدم وضعها وهم لم يجدونها لا في الصيدليات ولا في الدكاكين، إن الارتباك في القرارات في هذه اللحظة مكلف جدا، ونرجو العمل على تدارك هذه النواقص، ليس فقط بالتصريحات الصحفية، بل كذلك بالتدخلات الميدانية وبتوفير هذا المنتوج للمواطن وفق شروط السلامة الصحية المطلوبة، في التصنيع والتلفيف والبيع بالتقسيط.

السيد رئيس الحكومة

إننا إذ نجدد تثميننا للقرار الملكي السامي القاضي بإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا كوفيد 19، وبموجة التبرعات الطوعية المؤسساتية و الفردية، فإننا نؤكد على أن الحكومة يجب أن تظل في تواصل دائم وشفاف ودوري مع الرأي العام الوطني في كل ما يتعلق بمداخيل ونفقات هذا الصندوق، وذلك تعزيزا للثقة و الشفافية و الحكامة ، ومن نافل القول تذكير البعض، انه موجه حصرا، لقطاع الصحة ، و للفقراء و الفئات الهشة و القطاعات الاقتصادية المتضررة فعلا ، ولا حق لغيرهم في المطالبة في الاستفادة منه.

و إذ جاز لنا في هذه الظرفية الصعبة، أن نتفهم المبررات التي قدمتها الحكومة بخصوص إحجامها إلى اليوم، عن الإتيان بقانون مالية معدل ، فإننا ندعو إلى القيام بذلك فور اتضاح الرؤية و الفرضيات و الأرقام التي يمكن الاطمئنان إليها، خصوصا أننا إزاء سنة جفاف وجائحة غير مسبوقة ، غير أن هذا التوافق على هذه المرونة التشريعية بسبب هذه الظرفية الاستثنائية، لا يمكن أن يشمل إقدام الحكومة على اختيار تعديل نفقات الميزانية العامة، عبر مساطر و آليات لا تراعي دستورية وتراتبية القواعد القانونية كما ينصص عليها الدستور في الفصل 6 منه، ولا تطابق المقتضيات التشريعية الواردة على الخصوص في القانون التنظيمي للمالية الذي هو امتداد مباشر للقانون الأسمى للدولة الذي هو دستور المملكة المغربية، نحن لا نجادل في أن النفقات يجب أن تقلص بترشيد عقلاني عميق لمواجهة تداعيات الوباء على مناعة اقتصادنا وتوازناته المالية، بيد أن ذلك يجب أن يتم وفقا للقانون، و بتشاور كامل مع البرلمان، و في إطار الشفافية و التواصل مع الرأي العام و خصوصا مع الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين، إن أكبر سلاح تواجه به بلادنا هذه الجائحة هو هذا الإجماع الكبير والتعبئة الوطنية ، على الحكومة أن تحافظ عليهما ،كما ندعو الحكومة إلى الاشتغال على أسوأ السيناريوهات و الابتعاد في هذا الظرف العصيب عن خطاب الطمأنة الخادع الذي سرعان ما ينكشف ولا يصمد أمام عناد الوباء.

كما أنها مطالبة بوضع مخطط إقلاع اقتصادي شامل لمرحلة ما بعد الجائحة ، يعطي الأولوية القصوى للقطاعات الأكثر تضررا، و عطفا على كل ذلك، نؤكد أن الأهم الآن هو حماية وصون سيادة القرار الاقتصادي الوطني.

إن القرارات التي اتخذتها الحكومة لفائدة المقاولات مهمة ولكن المساطر المعقدة التي وضعتها الابناك تفرغ تلك التدابير من جدواها ، لذلك فان الحكومة مطالبة بتذليل تلك الصعوبات والتعقيدات فورا ، صونا للثقة وحفاظا على مصداقية خطابها والتزاماتها في هذه الظروف.

كما ندعو الحكومة إلى بحث سبل تعميم تلك الإجراءات، لتشمل فئات مهنية تضررت كثيرا من إغلاق الحياة العامة، من قبيل سائقي الطاكسيات و العاملون في الصناعة التقليدية، كما ندعوكم السيد رئيس الحكومة إلى فتح قنوات الحوار و الاستماع إلى أراء ممثلي المصدرين المغاربة .

السيد الرئيس

لا يمكن إلا تقدير المجهود التواصلي الحكومي المبذول ، ولكن هناك حاجة ماسة إلى مضاعفته، وجعله أكثر استهدافا ودقة ومهنية، نعم تواصل اطر وزارة الصحة مهم مشكورين عليه ، لكن المغاربة يستحقون أيضا أن يتواصل معهم رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة المعنيون بشكل مباشر، وبشكل يومي حول الجائحة، إن خطابنا الجماعي اليوم يجب أن ينهض على تحسيس الجميع بخطورة الوضعية الوبائية الوطنية و العالمية، علينا أن نقول للمغاربة إن الوضع خطير وسيزداد خطورة إذا لم يلتزموا بالإجراءات الموصى بها من طرف السلطات العمومية، على الحكومة إخبار الشعب بكل شيء، بكل وضوح وشفافية لضمان الثقة، عليكم السيد رئيس الحكومة التخلي عن خطاب الطمأنة الحاجب، إن عالم ما بعد كورونا لن يكون عالم ما قبلها، لذلك علينا أن نستغل هذه الجائحة كي نتصالح مع الرقمنة، وكي نجعل من المغرب الرقمي واقعا وليس مجرد شعارات ووعود، لذلك نقترح أن يتم استغلال تواجد الآلاف من الأجراء و المستخدمين في القطاع الخاص والعاملين في القطاع غير المهيكل في منازلهم والذين يعملون في قطاعات حيوية، بغية تطوير المهارات التقنية و اللغوية و التحكم في التكنولوجيا الرقمية لديهم وذلك عبر برامج مجانية للتكوين عن بعد.

و علاقة بقرار لجنة اليقظة الاقتصادية تخصيص الدعم المادي للأشخاص غير المسجلين في خدمة راميد والذين يعملون في القطاع غير المهيكل ، فإننا ندعو إلى وضع معايير واضحة وإحاطة هذه العملية بكافة شروط الشفافية والنجاعة، مع وضع آليات للتظلم عن بعد للأشخاص الذين لن تقبل طلباتهم.

لا يساورنا شك في أن بلادنا ستتجاوز إنشاء الله هذه الأزمة بقيادة جلالة الملك حفظه الله ، ذلك أن تاريخ بلادنا مع اختلاف السياقات طبعا، يخبرنا أن المغاربة واجهوا أوبئة ومجاعات اشد خطورة وفتكا ، ولكنهم واجهوها دائما بالتضامن و الايخاء و الإحسان و الدعاء و الإيمان و الالتفاف حول ملوكهم وسلاطينهم ، ومما لاشك فيه أنهم يواجهون عدو البشرية اليوم ، بذات المقومات التي جبلوا عليها .

حفظ الله بلدنا ورحم موتانا ونسأل الله تعالى أن يشافي مرضانا و يرفع عنا هذا الوباء إنه سميع مجيب الدعاء.



في نفس الركن