نظم الفريق الاستقلالي بمجلس النواب بشراكة مع المركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، يوما دراسيا حول موضوع "البرلمان ووظيفة تقييم السياسات العمومية"، يوم الثلاثاء 16 يوليوز 2019 بالقاعة المغربية بمجلس النواب، وذلك بتأطير عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين والخبراء في مجال تقييم السياسات العمومية، وحضور وازن للأخوات والإخوة برلمانيي الحزب.
وتوج هذا اليوم الدراسي الهام، الذي ترأس أشغال جلسته الافتتاحية الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى جانب الأخ نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب والأستاذ عمر حنيش مدير المركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية، بتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين الفريق الاستقلالي بمجلس النواب والمركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية.
وتوج هذا اليوم الدراسي الهام، الذي ترأس أشغال جلسته الافتتاحية الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى جانب الأخ نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب والأستاذ عمر حنيش مدير المركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية، بتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين الفريق الاستقلالي بمجلس النواب والمركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية.
وتميز هذا اليوم الدراسي الذي يندرج ضمن الأنشطة الإشعاعية واللقاءات الدراسية والتأطيرية التي دأب الفريق الاستقلالي على تنظيمها في مختلف المجالات التي تهم المؤسسة التشريعية، بالعرض الهام للأخ نزار بركة، الذي عبر في مستهله عن سعادته بالمشاركة في أشغال هذا اليوم الدراسي، مهنئا الفريق النيابي للحزب على حسن اختياره لموضوع لا يخلو من راهنية في النقاش الدستوري والعمومي وهو "البرلمان ووظيفة تقييم السياسات العمومية"، وذلك بالنظر لأهمية هذه الوظيفة الجديدة للبرلمان التي تضمنها دستور 2011.
كما نوه الأخ الأمين العام بالدينامية التي تطبع عمل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب في إطار من الانفتاح واعتماد المنطق التشاركي، وبالمجهودات الكبيرة التي يقوم بها للترافع عن قضايا وانشغالات المواطنات والمواطنين، وتصريف مواقف الحزب وقراراته انطلاقا من موقعه في المعارضة الوطنية الاستقلالية، مؤكدا أن الحديث اليوم عن تقييم السياسات العمومية يعكس الوعي المتنامي بضرورة تطوير وتحسين أداء الإدارة والمؤسسات وتوخي الفعالية والنجاعة في تقديم الخدمات العمومية وتحقيق النتائج الإيجابية المرجوة منها.
وسجل الأخ نزار بركة أن السياسات العمومية الناجحة والناجعة من وجهة نظر حزب الاستقلال، هي تلك التي يكون لها وقع إيجابي على الواقع المعيشي للمواطنات والمواطنين، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وتكافؤ الفرص وتوفير شروط حياة كريمة للمواطن، تحفظ آدميته وكرامته، وتوطد عنده الحس الوطني وحب العيش المشترك، وهو ما يسهم في تقوية التماسك الاجتماعي وصيانة الثوابت الجامعة للأمة، أما إذا كانت السياسات العمومية عقيمة لا تحدث الآثار الإيجابية المتوخاة منها في المعيش اليومي للمواطنين، كما هو الحال اليوم، فإنها تكون سببا للاحتقان الاجتماعي وارتفاع مؤشر الاحتجاجات.
وفي هذا الإطار، ذكر الأخ الأمين العام بما أنتجته السياسات العمومية السلبية للحكومة الحالية، من احتجاجات شعبية في العديد من المناطق كالحسيمة، جرادة، زاكورة..، وما عكسته من تذمر لدى بعض شرائح المجتمع كظاهرة الفوترة، المقاطعة، التوظيف بالتعاقد، أزمة طلبة الطب..، مسجلا بقلق كبير تطور الاحتقان الاجتماعي ببروز جيل جديد من الاحتجاجات ألا وهو الاحتجاج الرقمي (احتجاجات الفضاء الأزرق) الذي تجاوز هيئات الوساطة التقليدية.
وأشار الأخ نزار بركة إلى أن السياسات العمومية الفضلى، في منظور الحزب، ينبغي أن ترتكز على 3 مبادئ أساسية، الأول متعلق بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في مسار الإعداد والتنفيذ والتقييم للسياسات العمومية، إذ يتعين استحضار البعد التشاركي في جميع هذه المراحل بما يسمح بتدخل فاعلين اجتماعيين إلى جانب الفاعل الحكومي الرسمي طبقا لما تنص عليه مقتضيات الفصل 13 من دستور 2011 الذي نص على "تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها".
وأكد الأخ الأمين العام أن المبدأ الثاني متعلق بالتدبير المرتكز على النتائج، على اعتبار أنه الوحيد الكفيل بخلق ثورة حقيقية في نمط تدبير المالية العمومية والانتقال بها من منطق تدبير بيروقراطي، مبني على تدبير اعتمادات عبر صرفها وفق جداول زمنية واستهلاكية إلى منطق أكثر عقلانية يقع في صلب اهتمامه تحقيق نتائج وأهداف وليس استنفاذ نفقات واعتمادات، كما هو عليه الحال الآن، واعتماده لتصور حكومي شمولي يسهل تبني سياسات عمومية أفقية مندمجة يتم تنسيقها على مستوى الحكومة ويسهل معها تقييمها.
أما المبدأ الثالث، يقول الأخ نزار بركة أنه المتعلق بالتقييم والتقويم المستمر، وذلك من خلال ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، والدينامية ومواكبة المجتمع. فالهدف من تقييم السياسات العمومية ودسترتها، كجيل جديد من المهام البرلمانية، يروم خلق نوع من المراقبة المستمرة على عمل وأداء الحكومة، لأنه لا يعقل بمجرد أن تحوز الحكومة على ثقة البرلمان، تنصرف وتطبق ما تشاء، بل تتحلل من التزاماتها، فتقييم السياسات العمومية في نظر حزب الاستقلال هو تقويم لانحرافات الحكومة عن برنامجها التعاقدي وتحسين تقديرها لآثاره على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية..
وأوضح الأخ الأمين العام أن دستور 2011 أوكل مهمة تقييم السياسات العمومية للبرلمان باعتباره اختصاصا دستوريا ينضاف إلى التشريع والرقابة على العمل الحكومي والدبلوماسية البرلمانية، حيث نص الفصل 70 من الدستور في فقرته الثانية "يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية"، فأضحت مسؤولية تقييم السياسات العمومية من طرف البرلمان، مسؤولية أساسية، بالنظر لتمكينه من آليات مختلفة تروم تتبع التدبير الحكومي ومراقبته وتقييمه، والتي يمكن رصدها من خلال الجلسة السنوية لمناقشة السياسات العمومية طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، والجلسة الشهرية لمناقشة السياسة العامة طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 100 من الدستور، ولجان تقصي الحقائق كأداة لتقييم السياسات العمومية طبقا للفصل 67 من الدستور.
وبخصوص وظيفة تقييم السياسات العمومية بالبرلمان، أكد الأخ نزار بركة على ضرورة إيلاء هذا الدور الجديد والفتي ضمن الأدوار التي يضطلع بها البرلمان، ما يستحق من اهتمام ودعم حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من العمل الرقابي للبرلمانيين، مبرزا الأهمية التي يضطلع بها التقييم في دورة حياة كل سياسة عمومية، ومن العوامل الأساسية في وضعها وتنفيذها وتتبع إنجازها، وهي العوامل التي تندرج في الحكامة والممارسات الجيدة في الفعل العمومي، والتي تعتبر سلسلة متصلة الحلقات تنطلق من المشاركة المواطِنَة والتشاور، والالتقائيّة، والشفافية، والمساءلة والتّعاقد، واليقظة، وتدبير المخاطر ..تم تنتهي بالتقييم.
واعتبر الأخ الأمين العام أن هذه السلسلة الإجرائية لا تنتهي بالتقييم من أجل التقييم، ولكن من أجل التحسين المستمر للسياسات من خلال تجاوز النواقص المسجلة، وتفادي المخاطر، وتطوير الإيجابيات، واستثمار الفرص المتاحة، مؤكدا على أن مسألة تقييم السياسات لا ينبغي أن تبقى حكرا وحصرا على مكاتب الدراسات الدولية في إطار الطلبيات العمومية، ولكن لا بد من استرجاع هذا الاختصاص للمؤسسات الوطنية التي تحظى بالمشروعية الانتخابية والتمثيلية، ومؤسسات الحكامة وتقييم السياسات العمومية التي تتميز بالاستقلالية والتجرد؛ وذلك طبقا للدستور.
وشدد الأخ نزار بركة على ضرورة تقوية قدرات البرلمانيين والإدارة البرلمانية فيما يتعلق بنماذج ومرجعيات وتقنيات السياسات العمومية، لاسيما في وضع لوحة قيادة خاصة تتضمن مؤشرات قياس دقيقة وواضحة، من شأنها أن تتميز بها المؤسسة التشريعية عن باقي المؤسسات التي تتولى مهمة تقييم السياسات العمومية، مؤكدا في هذا الإطار على ضرورة تعميق التفكير في مختلف العمليات الرقابية والافتحاصية والتقويمية ذات الصلة بمسلسل التقييم، وذلك من خلال التشديد على خمس معايير معتبرة على مستوى الممارسات الجيدة.
وعدد الأخ الأمين العام هذه المعايير، معتبرا أن أول معيار هو المتعلق بالتجانس بين مختلف أهداف كل سياسة عمومية على حدة، وكذا مدى تجانسها مع أهداف السياسات القطاعية الأخرى، أما المعيار الثاني فهو المرتبط بالملاءمة بين الأهداف المعلنة للفعل العمومي وبين الحاجيات والأولويات المعبر عنها من طرف الساكنة، في حين أن المعيار الثالث فهو المتعلق بالفعالية لقياس النتائج والآثار التي تم إحرازها وفي ضوء الأهداف التي تم الالتزام بها في البداية، أما المعيار الرابع فهو المرتبط بالنجاعة من خلال المقارنة بين النتائج المسجلة والموارد المعبأة من أجل إنجازها من إمكانيات مالية وبشرية وتجهيزات..، أما المعيار الخامس فهو المتعلق بالجدوى والوقع من خلال قياس مدى مساهمة المشاريع المنجزة في إطار هذه السياسات في تحسين ظروف عيش المواطن، والاستجابة لحاجياته الملحة..
وأبرز الأخ نزار بركة أن هذه المعايير ينبغي استثمارها في وضع مرجعية معيارية خاصة بالمؤسسة التشريعية في تقييم السياسات العمومية، مؤكدا أن جميع الممارسات الجيدة قد شددت على أهمية أن تكون المقاربة التشاركية آلية أساسية في تقييم السياسات العمومية، وقبل ذلك في وضع هذه السياسات وتنفيذها وتتبعها، وهو كذلك ما أكدت عليه مقتضيات الدستور في إشراك المجتمع المدني، على المستوى الوطني والترابي، وفي مسلسل إعداد وتقييم السياسات، لكن للأسف أن القوانين التنظيمية للجهات والجماعات الترابية قلصت هذه المشاركة والإشراك في تدابير صورية في معظمها، لا تترجم روح الدستور ولا الممارسات الجيدة المعمول بها في هذا المضمار.
وجدد الأخ الأمين العام التأكيد على ضرورة فتح وتعزيز قنوات التواصل والتفاعل والتعاون بين البرلمان والمجتمع المدني في تقييم السياسات العمومية، وتضافر الجهود لإيصال صوت المواطن في العمق الترابي إلى المؤسسات، ذلك أن المواطن هو المؤهل للتعبير عن الوقع التنموي للسياسات العمومية على حياته اليومية، وبالتالي لا بد من إيجاد آلية تستثمر مطالب المواطنات والمواطنين، ودرجة الرضا لديهم تجاه ظروف عيشهم، في عملية التقييم المؤسساتي للسياسات العمومية.
وفي هذا السياق، أكد الأخ نزار بركة على استثمار عرائض المواطنات والمواطنين، وملتمسات التشريع التي يمكن أن يتوصل بها البرلمان، رغم التعقيدات المرتبطة بها، في تقييم السياسات حتى في حالة العرائض والملتمسات التي يتم رفضها لاعتبارات شكلية..، مشيرا إلى ضرورة تحويل تشريع القوانين، سواء الواردة من الحكومة أو بمبادرة من البرلمانيين، إلى مناسبة لتقييم السياسات ذات الصلة بهذه القوانين، وذلك من خلال أن تصبح دراسة الجدوى والأثر ملزمة لمختلف القوانين، وهو الإجراء الذي لم تفعله الحكومة بعد، رغم التنصيص عليه في قانونها التنظيمي، ولا بد للبرلمان من أن يتولى من جهته ملء هذا الفراغ، وإنجاز دراسات الجدوى والأثر اللازمة قبل إدراج مشاريع ومقترحات القوانين في مسطرة التشريع والمصادقة، وهو ما يحتاج بكل تأكيد أن يتوفر البرلمان والبرلمانيون على الخبرات والمعارف والآليات المنهجية والموارد البشرية والمالية الضرورية من أجل بلورة وتنفيذ عمليات التقييم بكل نجاعة وفعالية..
وفي ختام عرضه، تقدم الأخ الأمين العام بالشكر والتقدير للأساتذة والخبراء على ما سيقدمونه من مداخلات، ستساهم بلا شك في إثراء النقاش في هذا اللقاء الهام الذي تمنى أن تسفر أشغاله عن توصيات من شأنها تعزيز الأدوار الدستورية للبرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن اليوم الدراسي، انعقد على شكل جلستين علميتين الأولى انصبت حول "تقييم السياسات العمومية بالمغرب من التنصيص إلى المأسسة"، والثانية تطرقت إلى موضوع "تقييم السياسات العمومية، أعطاب الممارسة وآفاق التطوير"، كما توج بتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين الفريق الاستقلالي للوحدة التعادلية بمجلس النواب والمركز المتعدد التخصصات للبحث في حسن الأداء والتنافسية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، وهي الاتفاقية التي تعتبر غير مسبوقة في تاريخ العمل البرلماني، والتي تهدف إلى مأسسة انفتاح الفاعل البرلماني على الجامعة المغربية لتجسير الخبرات وتبادل المعطيات المتعلقة بالعمل البرلماني والبحث العلمي المرتبط بمختلف مجالات الحياة العامة.