في إطار المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2018، تناولت الكلمة الأخت خديجة الزومي عضو الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، مثيرة الكثير من الملاحظات الشكلية والجوهرية بخصوص مضامين المشروع المذكور، وخاصة ما يتعلق بالملفات ذات الطابع الاجتماعي. وقدمت الأخت المستشارة العديد من المقترحات الهادفة إلى تجويد المشروع بما يتجاوب من التوجيهات الملكية التي أكد عليها جلالته في خطبه الأخيرة .. في م يلي النص الكامل لتدخل الأخ خديجة الزومي :
باسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس اللجنة
السيد الوزير
السيدات والسادة المستشارين المحترمين
يبدو أنه من المفيد التذكير بأهم تلك التوجيهات الواردة في الخطابات الملكية السامية بمناسبة عيد العرش بتاريخ 29 يوليو 2018 وافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 13 أكتوبر والذكرى 64 لثورة الملك والشعب من نفس السنة والتي ركز فيها جلالته على بعض الأولويات التي يجب أن تحظى بالعناية والاهتمام اللائقين من طرف الحكومة وجميع الأجهزة الإدارية والمسؤولين على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي منها :
إنعاش وتعزيز مشاريع التنمية البشرية والمجالية التي لها تأثير مباشر على ظروف عيش المواطنين في مجال المخططات القطاعية كالصناعة والفلاحة والطاقات المتجددة،
إيجاد حلول ملائمة للاختلالات التي تعرفها ألإدارة العمومية، بتبني مقاربة تدبيرية حديثة ترتكز على نتائج واضحة يتم تحقيقها بإشراك كل المتدخلين وكل المسؤولين على المرافق التي تقدم خدمات للمواطنين،
تدعيم مستوى العمل المشترك والتنسيق بين مؤسسات الدولة على أساس رؤية وطنية واستراتيجية واضحة من أجل القضاء على الفوارق الاجتماعية والمجالية؛
التطبيق الصريح لأحكام المادة الأولى من الدستور التي تربط بين المسؤولية والمحاسبة، والمسؤولية هنا مسؤولية جماعية تهم كل المتدخلين كل في مجال اختصاصه ، البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ؛
إيلاء الأهمية للعلاقات مع الدول الإفريقية والارتقاء بها كرؤية استراتيجية على المدى الطويل؛
إعادة النظر في النموذج التنموي ليتلاءم مع التطورات التي يعرفها المغرب وإرساء نموذج تنموي مندمج؛
إعداد برنامج زمني لإرساء الجهوية المتقدمة وميثاق متقدم للتمركز مع جدول زمني لتطبيقه؛
إقرار سياسة جديدة مندمجة وخاصة بالشباب باعتباره الثروة الحقيقية والرافعة الأساسية للتنمية ، سياسة تعتمد على التكوين وتستحضر أولويات التشغيل ؛
ومن جهة أخرى، نغتنم الفرصة لنذكر بالتوجهات والوعود المضمنة في التصريح الحكومي المقدم أمام غرفتي البرلمان والذي ارتكز في جوهره على المحاور التالية :
دعم الاختيار الديمقراطي ودولة الحق والقانون واستكمال ورش إصلاح العدالة؛
تعزيز قيم النزاهة ومحاربة الفساد والعمل على إصلاح الإدارة وعدم التمركز الإداري؛
ترسيخ قواعد الحكامة الجيدة والنهوض بالتشغيل وخاصة في وسط الشباب وجعله هدف لكل السياسات الاقتصادية ؛
تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي ومحاربة الفقر والهشاشة والعطش؛
العمل على ترسيخ الجهوية المتقدمة والمصادقة على برامج التنمية الجهوية وتدعيم الشراكة بين القطاع العام والخاص؛
تقييم المخططات القطاعية كمخطط المغرب الأخضر، ومخطط ألييتوس والمخطط السياحي للمغرب الأزرق ومخطط التنمية الصناعية والانكباب إلى جانب ذلك على المخططات القطاعية التي لم تر النور بعد كمخطط إصلاح الأنظمة القانونية للعقار بتعميم التحفيظ العقاري وإدماج العقار في السياسات التنموية؛
المشروع في حالة شرود أمام التصريح الحكومي
كل هذه الأهداف المسطرة في البرنامج الحكومي تجعلنا نطرح السؤال بعد تصفح مشروع قانون المالية لسنة 2018 عن مدى إعداد هذا المشروع من طرف نفس الحكومة معدة البرنامج الحكومي المصادق عليه؟ أم أنه مشروع أعد فقط للتدبير العادي للميزانية بانفصال عن الرهانات السالفة الذكر والتي رفعها جلالة الملك وسطر البعض منها البرنامج الحكومي في انتظار ميزانية تعديلية ستأخذ بعين الاعتبار تلك التحديات التي ننتظر من الحكومة طرحها في غضون الستة أشهر القادمة، تنفيذا لما ينتظره الشعب المغربي بعد التحذيرات التي أثارها صاحب الجلالة بأن نموذجنا التنموي قد بلغ مداه. ونحن اليوم لا زلنا أمام مشروع قانون للمالية لا يرقى إلى خلق آليات من شأنها تغيير ذلك النموذج الذي برهن على محدودية آثاره سواء على مستوى الاستثمار أو التشغيل أو التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مدى استجابة وترجمة مشروع قانون المالية المعروض على أنظارنا لهذه التوجهات ؟
إننا في حزب الاستقلال لا يسعنا في هذه الظرفية الانتقالية والدقيقة التي يمر منها الاقتصاد الوطني والاختلالات الاجتماعية المتراكمة، إلا أن نكون إيجابيين مع كل المبادرات التي يمكن للحكومة أن تسنها في مشروع قانون للمالية والتي من شأنها أن تحرك عجلة النمو وتوفر فرص الشغل وتصحح الاختلالات الاجتماعية وذلك بغض النظر عن موقعنا في المعارضة أو في موقع المساندة النقدية والبناءة للحكومة، لكن شريطة التحلي بالشجاعة السياسية لخلق قطيعة مع العقلية التدبيرية الاحترازية والتخطيط الفوقي الذي أبان عن محدوديته وعدم نجاعته، مع التوجه إلى بلورة سياسة تتجه نحو لا مركزية حقيقية تكون فيها شراكات مع الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات ، والعمل على تنزيل ميثاق وطني لعدم التمركز الإداري يكون قادرا على اتخاذ القرار المحلي ومؤطر للعمل الجهوي اللامركزي .
إن التوجه الحقيقي لخلق دينامية جديدة لن يكتمل في نظرنا إلا بخلق هيأة للحكامة الجيدة تتكفل بتتبع تنفيذ البرامج والمشاريع لدى السيد رئيس الحكومة وتعتمد نظرة أفقية تركز على التنسيق والالتقائية بين البرامج التنموية وتعمل على تقييم شامل للبرامج التنموية والمخططات القطاعية كمخطط المغرب الأخضر ومخطط ألييتوس والمخطط السياحي للمغرب الأزرق ومخطط التنمية الصناعية مع الانكباب إلى جانب ذلك على تقييم شامل للتدابير الجبائية التحفيزية (33 مليار درهم) التي تستفيد منها مختلف القطاعات عن طريق الإعفاءات الكلية أو الجزئية الدائمة أو المؤقتة والتخفيضات والأسعار المخفضة لمعرفة مدى نجاعة تلك التدابير وضرورة التخلي عنها كليا أو جزئيا لعدم تحقيق الأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية المتوخاة من وراء منها.
وبهذه المناسبة لا يفوتنا أن نسجل الموقف المتأرجح للحكومة في اتخاذ قرار إحداث هيأة دائمة للحكامة وتتبع تنفيذ البرامج والمشاريع تكون تحت سلطة السيد رئيس الحكومة، واتجاه الحكومة إلى المجلس الأعلى للحسابات أو إلى المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية. في حين أن هاتين الأخيرتين تعتبران جهازين تابعين لوزارتين يمكن أن تكونا بدورهما محل افتحاص لمراقبة نجاعة الحكامة في المشاريع التي تسهران أو تشاركان في تنفيذها. لذا، يكون من النجاعة البحث عن إسناد دور مراقبة الحكامة الجيدة إلى جهاز مستقل تابع لرئيس الحكومة دون غيره.
الارتجال وتكريس استمرار الأزمة
وعلى أية حال، فالانطباع الأول الذي يمكن أن يتكون لدى كل مطلع على هذا المشروع، سيكشف على أنه يكرس الاستمرارية ولم يقطع تماما مع السياسة القديمة في مجال التنمية والتي في كثير من المناحي أفضت إلى آفاق مسدودة. فمشروع قانون المالية الحالي ظل وفيا للنهج والمقاربات القديمة التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة، ولم يقدم تصورا واضحا لنموذج تنموي يحرر الاقتصاد الوطني من اختلالاته وأعطابه, فلا زال منطق الارتجال والترقيع سائدا، كما لا زال الخضوع للإكراهات الظرفية واللوبيات طاغيا.
فحتى الزيادة في النفقات المخصصة للقطاعات الاجتماعية يلاحظ عليها أنها مرصدة للتسيير أكثر مما هي موجهة للاستثمار ولمتطلبات التغيير الجذري لواقع هذه القطاعات، إضافة إلى أنها اهتمت فقط بمعالجة بعض المشاكل على المدى القصير جدا. فالزيادة في عدد المناصب المخصصة للتعليم مثلا جزء كبير منها رصد من جهة لسد الخصاص الناتج عن إحالة نسبة مهمة من أطر التدريس على التقاعد وتعويض آخرين اختاروا التقاعد النسبي. ومن جهة أخرى لمعالجة الآثار السلبية المترتبة عن برنامج المغادرة الطوعية المرتجلة التي لازلنا نعاني اليوم من تداعياتها.
كما أن البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين والذي رصد له 54 مليار درهم من سنة 2009 إلى 2012، وهو غلاف ضخم، انتهى بالفشل كباقي المخططات الأخرى المتعلقة بالسياحة والصيد البحري وغيرهما. والغريب أنه لم يتم لحد الآن تقييم هذه البرامج والمخططات ولم يتم افتحاص ميزانياتها.
باسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس اللجنة
السيد الوزير
السيدات والسادة المستشارين المحترمين
يبدو أنه من المفيد التذكير بأهم تلك التوجيهات الواردة في الخطابات الملكية السامية بمناسبة عيد العرش بتاريخ 29 يوليو 2018 وافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 13 أكتوبر والذكرى 64 لثورة الملك والشعب من نفس السنة والتي ركز فيها جلالته على بعض الأولويات التي يجب أن تحظى بالعناية والاهتمام اللائقين من طرف الحكومة وجميع الأجهزة الإدارية والمسؤولين على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي منها :
إنعاش وتعزيز مشاريع التنمية البشرية والمجالية التي لها تأثير مباشر على ظروف عيش المواطنين في مجال المخططات القطاعية كالصناعة والفلاحة والطاقات المتجددة،
إيجاد حلول ملائمة للاختلالات التي تعرفها ألإدارة العمومية، بتبني مقاربة تدبيرية حديثة ترتكز على نتائج واضحة يتم تحقيقها بإشراك كل المتدخلين وكل المسؤولين على المرافق التي تقدم خدمات للمواطنين،
تدعيم مستوى العمل المشترك والتنسيق بين مؤسسات الدولة على أساس رؤية وطنية واستراتيجية واضحة من أجل القضاء على الفوارق الاجتماعية والمجالية؛
التطبيق الصريح لأحكام المادة الأولى من الدستور التي تربط بين المسؤولية والمحاسبة، والمسؤولية هنا مسؤولية جماعية تهم كل المتدخلين كل في مجال اختصاصه ، البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ؛
إيلاء الأهمية للعلاقات مع الدول الإفريقية والارتقاء بها كرؤية استراتيجية على المدى الطويل؛
إعادة النظر في النموذج التنموي ليتلاءم مع التطورات التي يعرفها المغرب وإرساء نموذج تنموي مندمج؛
إعداد برنامج زمني لإرساء الجهوية المتقدمة وميثاق متقدم للتمركز مع جدول زمني لتطبيقه؛
إقرار سياسة جديدة مندمجة وخاصة بالشباب باعتباره الثروة الحقيقية والرافعة الأساسية للتنمية ، سياسة تعتمد على التكوين وتستحضر أولويات التشغيل ؛
ومن جهة أخرى، نغتنم الفرصة لنذكر بالتوجهات والوعود المضمنة في التصريح الحكومي المقدم أمام غرفتي البرلمان والذي ارتكز في جوهره على المحاور التالية :
دعم الاختيار الديمقراطي ودولة الحق والقانون واستكمال ورش إصلاح العدالة؛
تعزيز قيم النزاهة ومحاربة الفساد والعمل على إصلاح الإدارة وعدم التمركز الإداري؛
ترسيخ قواعد الحكامة الجيدة والنهوض بالتشغيل وخاصة في وسط الشباب وجعله هدف لكل السياسات الاقتصادية ؛
تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي ومحاربة الفقر والهشاشة والعطش؛
العمل على ترسيخ الجهوية المتقدمة والمصادقة على برامج التنمية الجهوية وتدعيم الشراكة بين القطاع العام والخاص؛
تقييم المخططات القطاعية كمخطط المغرب الأخضر، ومخطط ألييتوس والمخطط السياحي للمغرب الأزرق ومخطط التنمية الصناعية والانكباب إلى جانب ذلك على المخططات القطاعية التي لم تر النور بعد كمخطط إصلاح الأنظمة القانونية للعقار بتعميم التحفيظ العقاري وإدماج العقار في السياسات التنموية؛
المشروع في حالة شرود أمام التصريح الحكومي
كل هذه الأهداف المسطرة في البرنامج الحكومي تجعلنا نطرح السؤال بعد تصفح مشروع قانون المالية لسنة 2018 عن مدى إعداد هذا المشروع من طرف نفس الحكومة معدة البرنامج الحكومي المصادق عليه؟ أم أنه مشروع أعد فقط للتدبير العادي للميزانية بانفصال عن الرهانات السالفة الذكر والتي رفعها جلالة الملك وسطر البعض منها البرنامج الحكومي في انتظار ميزانية تعديلية ستأخذ بعين الاعتبار تلك التحديات التي ننتظر من الحكومة طرحها في غضون الستة أشهر القادمة، تنفيذا لما ينتظره الشعب المغربي بعد التحذيرات التي أثارها صاحب الجلالة بأن نموذجنا التنموي قد بلغ مداه. ونحن اليوم لا زلنا أمام مشروع قانون للمالية لا يرقى إلى خلق آليات من شأنها تغيير ذلك النموذج الذي برهن على محدودية آثاره سواء على مستوى الاستثمار أو التشغيل أو التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مدى استجابة وترجمة مشروع قانون المالية المعروض على أنظارنا لهذه التوجهات ؟
إننا في حزب الاستقلال لا يسعنا في هذه الظرفية الانتقالية والدقيقة التي يمر منها الاقتصاد الوطني والاختلالات الاجتماعية المتراكمة، إلا أن نكون إيجابيين مع كل المبادرات التي يمكن للحكومة أن تسنها في مشروع قانون للمالية والتي من شأنها أن تحرك عجلة النمو وتوفر فرص الشغل وتصحح الاختلالات الاجتماعية وذلك بغض النظر عن موقعنا في المعارضة أو في موقع المساندة النقدية والبناءة للحكومة، لكن شريطة التحلي بالشجاعة السياسية لخلق قطيعة مع العقلية التدبيرية الاحترازية والتخطيط الفوقي الذي أبان عن محدوديته وعدم نجاعته، مع التوجه إلى بلورة سياسة تتجه نحو لا مركزية حقيقية تكون فيها شراكات مع الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات ، والعمل على تنزيل ميثاق وطني لعدم التمركز الإداري يكون قادرا على اتخاذ القرار المحلي ومؤطر للعمل الجهوي اللامركزي .
إن التوجه الحقيقي لخلق دينامية جديدة لن يكتمل في نظرنا إلا بخلق هيأة للحكامة الجيدة تتكفل بتتبع تنفيذ البرامج والمشاريع لدى السيد رئيس الحكومة وتعتمد نظرة أفقية تركز على التنسيق والالتقائية بين البرامج التنموية وتعمل على تقييم شامل للبرامج التنموية والمخططات القطاعية كمخطط المغرب الأخضر ومخطط ألييتوس والمخطط السياحي للمغرب الأزرق ومخطط التنمية الصناعية مع الانكباب إلى جانب ذلك على تقييم شامل للتدابير الجبائية التحفيزية (33 مليار درهم) التي تستفيد منها مختلف القطاعات عن طريق الإعفاءات الكلية أو الجزئية الدائمة أو المؤقتة والتخفيضات والأسعار المخفضة لمعرفة مدى نجاعة تلك التدابير وضرورة التخلي عنها كليا أو جزئيا لعدم تحقيق الأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية المتوخاة من وراء منها.
وبهذه المناسبة لا يفوتنا أن نسجل الموقف المتأرجح للحكومة في اتخاذ قرار إحداث هيأة دائمة للحكامة وتتبع تنفيذ البرامج والمشاريع تكون تحت سلطة السيد رئيس الحكومة، واتجاه الحكومة إلى المجلس الأعلى للحسابات أو إلى المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية. في حين أن هاتين الأخيرتين تعتبران جهازين تابعين لوزارتين يمكن أن تكونا بدورهما محل افتحاص لمراقبة نجاعة الحكامة في المشاريع التي تسهران أو تشاركان في تنفيذها. لذا، يكون من النجاعة البحث عن إسناد دور مراقبة الحكامة الجيدة إلى جهاز مستقل تابع لرئيس الحكومة دون غيره.
الارتجال وتكريس استمرار الأزمة
وعلى أية حال، فالانطباع الأول الذي يمكن أن يتكون لدى كل مطلع على هذا المشروع، سيكشف على أنه يكرس الاستمرارية ولم يقطع تماما مع السياسة القديمة في مجال التنمية والتي في كثير من المناحي أفضت إلى آفاق مسدودة. فمشروع قانون المالية الحالي ظل وفيا للنهج والمقاربات القديمة التي سارت عليها الحكومات المتعاقبة، ولم يقدم تصورا واضحا لنموذج تنموي يحرر الاقتصاد الوطني من اختلالاته وأعطابه, فلا زال منطق الارتجال والترقيع سائدا، كما لا زال الخضوع للإكراهات الظرفية واللوبيات طاغيا.
فحتى الزيادة في النفقات المخصصة للقطاعات الاجتماعية يلاحظ عليها أنها مرصدة للتسيير أكثر مما هي موجهة للاستثمار ولمتطلبات التغيير الجذري لواقع هذه القطاعات، إضافة إلى أنها اهتمت فقط بمعالجة بعض المشاكل على المدى القصير جدا. فالزيادة في عدد المناصب المخصصة للتعليم مثلا جزء كبير منها رصد من جهة لسد الخصاص الناتج عن إحالة نسبة مهمة من أطر التدريس على التقاعد وتعويض آخرين اختاروا التقاعد النسبي. ومن جهة أخرى لمعالجة الآثار السلبية المترتبة عن برنامج المغادرة الطوعية المرتجلة التي لازلنا نعاني اليوم من تداعياتها.
كما أن البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين والذي رصد له 54 مليار درهم من سنة 2009 إلى 2012، وهو غلاف ضخم، انتهى بالفشل كباقي المخططات الأخرى المتعلقة بالسياحة والصيد البحري وغيرهما. والغريب أنه لم يتم لحد الآن تقييم هذه البرامج والمخططات ولم يتم افتحاص ميزانياتها.
إقرار سياسة ناجعة للتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية
إذا كانت كل المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادي للمغرب تبعث حسب الحكومة، على الارتياح والتفاؤل، فإن توزيع خيراته وثمار نموه يعاني من اختلالات صارخة. فالتقرير الذي أعد بأمر ملكي من طرف كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب ليجيب عن تساؤلات المغاربة أين هي ثروة المغرب؟ توصل إلى أن الثروة الموجودة بالمغرب تقدر بما يناهز 13.000 مليار درهم، أي 1.300 مليار أورو، 70% من هذه الثروة غير مادي؛ وأن هذه الثروة تضاعفت مرتين في عهد الملك محمد السادس نصره الله خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2013. لكن توزيع ثمارها يعاني من غياب العدالة والإنصاف. فهناك نسبة 10% من أغنياء المغرب يستهلكون 33% من ثروته. ويعني ذلك أن حصيلة النمو لا تصل إلى كل المغاربة.
إن هذه الاختلالات الاجتماعية لن تساعد على إرساء سياسة تنموية متوازنة. والقراءة التقنوقراطية للوضع الاقتصادي في البلاد ستظل ناقصة، إذا لم تواكبها مقاربة سياسية وسسيولوجية وثقافية للمشاكل.
إخفاقات المنظومة التعليمية
يعتبر التعليم مفتاح صعود كثير من الاقتصاديات في آسيا مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا وتركيا. ويمكن أن يكون كذلك في بلادنا محفزا لمضاعفة الرأسمال اللامادي الذي سيرتفع حسب بعض المختصين بنسبة 80%. لكنه يعاني من التأخر والشلل وبالتالي ضعف مردوديته ومساهمته في تنمية البلاد.
فمجرد نظرة شكلية بسيطة لا تنفذ إلى عمق أمراضه الممثلة في مناهجه وطرق تدبيره ومقارباته البيداغوجية، تظهر لكل ملاحظ الكثير من هذه المشاكل. ولعل أهمها يكمن في تدبير الزمن المدرسي، ومن تجلياته الهدر والاكتظاظ وضعف التأطير. وإليكم بعض الأرقام المعبرة عن هذا الواقع البئيس :
المكررون في أسلاك التعليم : 413.000 في السنة ؛
نسبة التخرج في الإجازة : 3,42% (3 سنوات) ؛
نسبة التخرج بعد 5 سنوات : 6,7% ؛
نسبة الطلبة الذين يحصلون على إجازة خلال ست سنوات : 3,9% ؛
والانقطاع عن الدراسة يرتفع كلما تقدم التلميذ في المستوى كما يلي :
%1,2 في الابتدائي بالنسبة للسنة الدراسية 2016 – 2017
2,10% في الإعدادي والثانوي عن السنة الدراسية 2016 – 2017
ويهم الأمر إجمالا 400 ألف تلميذ سنويا.
نسبة الاكتظاظ : 8،8% في الابتدائي بمعدل 40 تلميذ في القسم ؛
26% في الإعدادي، أي 45 تلميذ في القسم كمعدل ؛
23% في الثانوي، أي ما يناهز 44 تلميذ في القسم كمعدل.
وفي بعض الكليات ككليات الحقوق 260 طالب لكل مائة مقعد.
التأطير: 189 طالب لكل أستاذ في كليات الحقوق و85 طالب لكل أستاذ في كليات الآداب و31 طالب لكل أستاذ في كليات العلوم.
وفي هذا الصدد، نذكر باستنتاجات آخر تقرير صادر عن المنتدى الدولي الاقتصادي (WEF) حول الأعمال والذي صنف المغرب في مجال التعليم والتكوين سنة 2017 في المرتبة 110 فيما يخص تنافسية القطاع و120 فيما يخص جودة التعليم.
إن هذا الوضع غير السوي يسائلنا جميعا. ونتمنى أن تثمر الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية وجهود كل المسؤولين التربويين في إصلاحه. فبرامج الوزارة المشرفة على قطاع التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي أكدت على تقليص نسبة الاكتظاظ في هذه السنة إلى 30 تلميذ في السنة الأولى ابتدائي وإلى 36 تلميذ في باقي السنوات، وإلى 44 تلميذ بالنسبة للطورين الإعداد والثانوي.
اختلالات وأعطاب قطاع الصحة
يعتبر قطاع الصحة قطاعا حيويا في جميع الدول. فبدون صحة لن يكون هناك عقل سليم ولن يكون هناك مواطن منتج ومطمئن ذهنيا. غير أن هذا القطاع بدوره يعاني منذ عقود من الاختلالات والأعطاب.
فالتقرير الذي أعدته النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام قدم صورة قاتمة عن وضع المستشفيات العمومية. فهناك خصاص مهول في الأطر الطبية وشبه الطبية والموارد البشرية. وبشكل عام، هناك خصاص في التجهيزات الضرورية للعمل والوسائل البيوطبية. كما أن هناك نقصا كبيرا في المواد البشرية والأطباء على الخصوص في مختلف الجهات وخصاص كبير في التخصصات.
وهنا يمكن أن نقدم بعض الأمثلة. ففي العالم القروي نجد العديد من الجماعات الترابية تعرف فائضا في الموارد البشرية، وغير بعيد عن مقر هذه الجماعات نجد مستوصفات فارغة من أي ممرض ومدارس بدون معلمين.
كما أن بعض الاحصائيات كشفت أن 75 % من المستشفيات غير صالحة للقيام بالمهام التي أنشئت من أجلها. فهي عبارة عن جدران متسخة لا تصلح حتى لإيواء القطط. وهذه المرافق لا تحترم المعايير المعتمدة من طرف منظمة الصحة العالمية. حتى الأموال التي ترصد لتأهيلها هي مجرد تبذير وهدر للمال العام. لذا، صنفت في أسفل الترتيب على المستوى العالمي.
فلا نستغرب إذا لنسبة الوفيات في صفوف الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة والذين يلجؤون كرها لهذه المرافق وكذا في صفوف النساء الحوامل والأطفال الرضع. ولا نستغرب كذلك لعودة أمراض الفقر في بلادنا كالسل والجذام واللشمانيا.
إن هذا الوضع يمس بحق المواطنين في ولوج الخدمات الصحية ويمس كذلك بحقوقهم الإنسانية والدستورية في المساواة والمواطنة.
والغريب في كل هذا، أن هذا الوضع ليس قدرا محتوما. فبقليل من الإرادة والعزيمة يمكن تغييره إلى ما هو أفضل. فلو كانت هناك إرادة وتصميم على المستوى الوطني والجهوي لتم إعادة تكوين الفائض من الموظفين وتعيينهم في مثل هذه المرافق التي تعاني من الخصاص المذكور.
الوسائل المالية لا تستجيب لحجات القطاعات الاجتماعية
إن الإمكانيات المالية والموارد البشرية التي رصدتها الحكومة في الميزانية العامة لسنة 2018 إذا كانت مهمة بالنسبة للبعض نظرا لحجمها، والنسبة التي خصصت منها للقطاعات الاجتماعة أي ما يناهز 50% من الميزانية. فقطاع التعليم رصد له 59 مليار درهم، أي بزيادة 5 مليارات درهم مقارنة مع 2017 و20 ألف منصب مالي في إطار التعاقد، إضافة إلى 35 ألف منصب محدث برسم سنة 2017 أي ما مجموعه 55 ألف منصب شغل في ظرف سنتين)، فالسؤال الذي يظل مطروحا : هل معالجة مشاكل التعليم يكمن في توفير الموارد المالية والبشرية فقط ؟ أم أن جوهر اختلالات القطاع يكمن في التخطيط وإعداد البرامج البيداغوجية الملائمة في إطار سياسية تعليمية محكمة تستشرف الآفاق المستقبلية ؟
ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن إصلاح المنظومة التربوية بشكل جذري، وبعدما قمنا بتجارب عديدة وأعددنا برامج طوال عقود، كان آخرها البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين والذي رصدت له مبالغ ضخمة (54 مليار درهم من 2009 إلى 2015)، دون أن يحقق الأهداف المرسومة له، ها نحن نعيد الكرة وفي إطار دائرة مغلقة، وذلك بتبني مقاربات غير محسوبة العواقب، معتقدين أن توفير عدد من المناصب سيحل الإشكالات العويصة للقطاع.
ذلك أن إصلاح التعليم لا يقتصر في إحداث مناصب الشغل فقط. فبدون تكوين وتحسين لظروف عمل الطبقة الشغيلة في قطاع التعليم لا يمكن الرفع من جودة تعليمنا وتطويره.
وهنا تجدر الإشارة إلى مفارقة كبيرة تتعلق بطبيعة مناصب الشغل المحدثة في هذا المجال، فعدد المناصب الحقيقية التي تم إحداثها لم تتجاوز 700 منصب شغل. أما الباقي أي 20.000 فقد تم في إطار التعاقد، مما يثير تساؤلات حول مدى تكوين هؤلاء المتعاقدين، خصوصا إدا علمنا أن عددهم في تزايد مطرد وأن عددا من المراكز التربوية الجهوية للتكوين وأطرها ظلت غير مشتغلة لفترات طويلة، وكان بالإمكان استغلالها لدورات تكوينية ولو قصيرة للأساتذة المتعاقد معهم. والغريب كذلك أن هناك عددا كبيرا من الأساتذة حملة الدكتوراه في التعليم الابتدائي والثانوي يقدر بحوالي 7.000 أستاذ يطالبون بالالتحاق بالتعليم العالي لسد الخصاص المقدر بحوالي 9.000 أستاذ. لكنه لم تتم تلبية طلباتهم لأسباب غير واضحة.
وإذا تناولنا أوضاع التعليم الخصوصي الذي لم يحقق لحد الآن الأهداف المنتظرة منه ومن أهمها تغطية نسبة 20% من التمدرس، وتغليبه للطابع التجاري وحرصه على الاستفادة من الإعفاء الجبائي بشكل دائم وبدون مبرر غالبا، فسيتضح مدى التخبط الذي تسير فيه منظومتنا التربوية.
هذا فقط بالنسبة لقطاع واحد ومهم من القطاعات الاجتماعية. أما إذا رجعنا إلى قطاع آخر لا يقل أهمية منه وهو قطاع الصحة، فسيتضح كذلك أن المشكل ليس دائما ماديا يعالج برفع الاعتمادات المادية. فبالله عليكم كيف يمكن أن نتصور المفارقة بين التكلفة التي يتطلبها تكوين طبيب واحد منذ الابتدائي إلى تخرجه من كلية الطب ولو بدون منحة وفي الأخير يرفض العمل في القطاع العام ويحرص على فتح عيادة خاصة له للحصول على دخل أعلى دون أن يبالي بمعاناة المواطنين الذين يعانون في البوادي والمناطق النائية. لقد حاولت الحكومة السابقة إيجاد حل لهذا المشكل ولم توفق إلا نسبيا وكانت الغلبة في الأخير للمطالب النقابية الأطباء.
الإصلاح الجبائي الحقيقي
لقد عملت الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2018 على اقتراح مجموعة من التدابير الجبائية التحفيزية عبارة عن إعفاءات جزئية أو كلية دائمة أو مؤقتة لفائدة مجموعة من القطاعات والهيئات والعمليات. وإذا كنا من حيث المبدأ لا نعارض أي تخفيض من الضغط الجبائي، شريطة أن يكون مبررا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ويتم تقييم نتائجه كل ثلاث سنوات، فإننا بالمقابل نرى أن الإصلاح الجبائي الوارد ذكره في البرنامج الحكومي وكذا في التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات والصادرة كذلك عن كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، يجب أن يهدف أساسا إلى توسيع الوعاء الجبائي عن طريق الحد من الإعفاءات الضريبية غير المبررة، علما أن المبلغ الإجمالي للنفقات الجبائية يتجاوز 33 مليار درهم كما سبق الذكر. في حين أن مشروع قانون المالية الحالي لم يقترح أي تدبير من شأنه تقليص تلك الإعفاءات غير المبررة والعمل على الوفاء بالالتزام المتعلق بتوسيع الوعاء الضريبي.
غياب معطيات حول عدد الملزمين
وفي هذا الصدد، نرجو أن تمدنا الحكومة بمعطيات وإحصائيات تكشف عن تطور عدد الملزمين برسم كل من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة خلال 15 سنة الأخيرة التي عرفت إصلاحا جذريا، وذلك لنقف ليس فقط على التطور الحاصل في هذا المجال, ولكن لنكون على علم كذلك بنسبة التصريحات التي تسفر عن دفع الضريبة والتصريحات التي تسجل عدم تحقيق ربح أو حصول عجز برسم كل ضريبة. كما نود أن تطلعونا على نسبة الأجراء الخاضعين للضريبة على الدخل ونسبة الخاضعين لهذه الضريبة برسم الضرائب الأخرى (الدخول المهنية والدخول الزراعية والعقارية ودخول رؤوس الأموال المنقولة).
فحسب علمنا وما أسفرت عنه بعض الدراسات الميدانية، فإن الملزمين الذين يساهمون في التكاليف العمومية برسم الضريبة على الدخل مثلا لم يتغير منذ عشرات السنين وبقي الضغط بخصوص هذه الضريبة مركزا على الأجراء الذين يساهمون بنسبة 80% من حصيلة الضريبة على الدخل. في حين تنفلت من واجب المساهمة في الواجب العمومي عدة أنشطة غير محصاة ولا تقوم الإدارة بأي إجراء رادع تجاهها رغم كل التحفيزات المقدمة في النظام الجبائي.
أما سيدي الوزير على صعيد الضرائب العائدة للجماعات المحلية سواء منها المحولة لفائدتها من الدولة أو التي تقوم بتدبيرها نفس الجماعات الترابية بموجب القانون رقم 06-47 فإنها تعتريها عدة اختلالات يجب تسريع فتح ورش إصلاح ذلك القانون مع الحرص على إعادة هيكلة الإدارة الجبائية المحلية وتأهيل مواردها البشرية وتزويدها بالنظم المعلوماتية الضرورية لتضطلع بمهام الإحصاء وإصدار الضريبة واستخلاصها على أحسن وجه.
مقترحات الفريق الاستقلالي
إن حزب الاستقلال وعيا منه بواجبه الوطني في المساهمة بمد الحكومة بغض النظر عن تموقعه بالأفكار والمقترحات الكفيلة بمعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية على ضوء التوجيهات الملكية ليغتنم هذه الفرصة ليثير انتباه الحكومة إلى بعض المقترحات المفصلية التي من شأنها إعادة الثقة إلى دواليب الاقتصاد الوطني وخلق جو من الطمأنينة داخل المجتمع المدني وهي :
الإسراع بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي للنقاش وتتبع وضعية الشباب وإعادة النظر في برامج التكوين المهني وتخصيصه بالأولوية بالاعتمادات الضرورية حسب حاجيات اللاستثمارات على صعيد كل جهة.
تعزيز الاعتمادات والتحفيزات المخصصة للبحث العلمي عن طريق الشراكة بين الجامعات ومراكز البحث العلمي والمقاولات للانتقال بالنسيج القابل لاستيعاب فرص الشغل كالقطاع الصناعي والفلاحي وقطاع الصيد البحري إلى قطاعات ذات قيمة مضافة قادرة على المنافسة والرفع من قيمة الصادرات وفي هذا المجال يجب الاستفادة من خبرات الجالية المغربية في الخارج ؛
فتح ورش تشريعي للقانون رقم 15-97 المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية في اتجاه البحث عن نجاعة إجراءات التحصيل حسب نوعية الديون العمومية لتفادي تراكم الباقي استخلاصه وإقامة توازن في إجراءات التحصيل بين حقوق الخزينة وحقوق الملزمين بمختلف الضرائب والرسوم ؛
وفيما قبل الأخير، فإنه لا يسعنا إلا أن نعبر في هذه العجالة عن انشغالنا العميق عن كيفية معالجة الحكومة لمعضلة الدين العمومي المتفاقم سواء منه الداخلي أو الخارجي وعدم تحديد إستراتيجية للعمل على البحث عن مصادر التمويل الميسرة لدى الدول الصديقة والمؤسسات المانحة وعن تأرجح القرار المتعلق بتحرير الصرف وإقامة مرصد مستقل للمالية العمومية يتمتع بالاستقلالية والشفافية عن جميع المؤسسات المتدخلة في القرارات النقدية والمالية والذي من شأنه منح الثقة للمؤسسات الأجنبية والمستثمرين الأجانب على وجه الخصوص.
من الواجب إذن، إرساء برنامج لحوار اجتماعي مسؤول ومتعاقد عليه بين الحكومة وأرباب المقاولات والنقابات المهنية على مدى الولاية الحكومية يبلور الإصلاحات الواجبة على صعيد مراجعة منظومة الأجور وتنظيم العمل وتبسيط إجراءات التشغيل والتعويض عن ضياع الشغل وتنظيم الوساطة في التشغيل.
إن هذا الإصلاح الأخير لما له من أهمية واستعجال، نعتبره في حزب الاستقلال من بين صمامات الأمن المقاولاتي والاجتماعي ولا نريد أن نجعله موضوعا لأية مزايدات سياسوية من أي طرف كان في المعارضة أو الأغلبية، ويجب أن يسوده حوار تشاركي مسؤول ومحدد يستهدف إقامة توازن بين القدرة الشرائية والحفاظ على تكلفة الإنتاج وتنافسية المقاولة الوطنية.
رافعة الانتقال التدريجي من الاقتصاد غير المهيكل إلى اقتصاد مهيكل كوسيلة للحكامة والتنافسية الاقتصادية..
يرى الحزب ضرورة الانتقال التدريجي من الاقتصاد غير المهيكل إلى اقتصاد مهيكل دون أي ارتباك أو إرباك لقطاعات مشغلة جدا ومنتجة للقيمة المضافة، وذلك بتفعيل التدابير التالية :
تحسين مناخ الأعمال وتبسيط المساطر الإدارية؛
تطوير وتعميم الحماية الاجتماعية وضمان الحقوق الأساسية للعمل؛
تحفيز المبادرة على خلق المقاولة الذاتية بالمواكبة والتأهيل والتكوين؛
ضمان الحقوق الأساسية للعمل والتمثيل النقابي؛
إقرار مقاربة ضريبية تفضيلية للاقتصاد غير المهيكل في أفق إدماجه، تقوم على:
إعفاء كلي من الضريبة على الأرباح خلال الخمس سنوات الأولى للتصريح؛
الإعفاء من مساهمة المشغل في التكاليف الاجتماعية خلال نفس الفترة؛
تحديد الضريبة على الأرباح في حدود 5 % خلال الثلاث السنوات الموالية ثم 10 % بعد هذه المدة.
أما على المستوى المؤسساتي فيرى الحزب :
إحداث وكالة وطنية لإدماج الاقتصاد غير المهيكل؛
وضع تنظيم للمهن والحرف؛
تعزيز جهاز تفتيش الشغل؛
مراجعة مدونة الشغل.
رافعة المقاولة الجد صغيرة والصغيرة والمتوسطة كخزان للنمو الاقتصادي والتشغيل المكثف
معطيات للتذكير
تشكل هذه المقاولات 95 % من النسيج المقاولاتي الوطني
تسجل منذ 2012 إلى 2016 نسبة إفلاس سنوية تتجاوز 17 % وراكمت مستوى 6000 مقاولة مفلسة سنة 2016 عوض 2700 سنة 2011.
تعاني هذه المقاولات من نذرة التمويل والمرافقة والافتحاص وتلعب دور بنك لزبنائها في الوقت الذي تعاني فيه من نذرة السيولة.
التدابير الاستعجالية
ربط هذه المقاولات كل في اختصاصه بالاستراتيجية الصناعية “إيكو سيستم” للحكومة بحيث تشغل الشركات الكبرى المتعاقدة مع الدولة في هذا المجال المقاولات جد الصغيرة والصغيرة والمتوسطة التي يجب أن تعمل في فلكها ومحيطها؛
إيلاء دور جديد للأبناك على مستوى التمويل والمرافقة:
تمويل بناء على التعاقدات التجارية المبرمة للمقاولات وليس على أي معيار آخر كالرهن أو الأقدمية
القيام بمهام جديدة لصالح لهذه المقاولة:
دراسات الجدوى
دراسات الأسواق
دراسات مالية
تتبع وافتحاص مالي
تدعيم إحداث شركات يتكون رأسمالها من المساهمة الجماعية لكل تجمع من المقاولات، يكون لها دوران:
تجميع وتعاضد مشترياتها؛
تجميع وتسويق عرضها في الأسواق وللطلبات الكبيرة داخليا ودوليا
إحداث نظام تأمين جماعي لمستخدمي هذه المقاولات
رافعة القطاعات الواعدة للتصدير وذات القيمة المضافة العالية
معطيات عن قطاع الحلال:
رقم المعاملات السنوي للقطاع على المستوى الدولي 800 مليار دولار
93 % من واردات الدول الإسلامية تأتي من أوربا وأمريكا
المغرب مؤهل باعتباره بلد إسلامي ويتوفر على قطاعات غذائية رائدة، أن يصبح قوة تصديرية متميزة على المدى القريب جدا إن باشر عملية التصديق الدولي “الحلال” على بنياته الإنتاجية ودخل في شراكات تجارية دولية.
التدابير:
التصديق الدولي تحت علامة “حلال”، على مؤسسات الإنتاج الوطنية في كل قطاعات الإنتاج الغذائي
تبادل الإعتراف بين المؤسسة الوطنية للتوصيف والتصديق والمؤسسات المماثلة في الدول المستهدفة
خلق علامة وطنية للإنتاج “حلال”
وضع استراتيجية وطنية استعجالية لتسويق وتصدير المنتوجات “حلال” في أفق الوصول إلى أن تمثل صادراتنا الوطنية 1 % من المبادلات الدولية في القطاع خلال الخمس سنوات القادمة.
تدعيم حضور الخواص المعنيين للمعارض الدولية المتخصصة من أجل التعريف بالمنتوج المغربي وربط الشراكات التجارية
رافعة المشاريع الكبرى والبنيات التحتية كآلية لتدعيم تجهيز البلد
وكمصعد للحد الأدنى من الكرامة، يراهن الحزب على إعطاء الانطلاقة لبرنامج وطني طموح يتوخى تزويد العالم القروي بالتجهيزات الأساسية المرتبطة بحاجيات السكان من طرق ومسالك ومستوصفات وربط بشبكة الماء والكهرباء. كما يتوخى خلق فرص تشغيل مكثفة ومستديمة للساكنة القروية عبر مشاريع محددة ومضبوطة في الزمان والمكان.
وتتكون هذه المشاريع من :
تحويل مياه الأمطار المنهمرة سنويا وباستمرار على منطقة الشمال والتي تضيع بشكل شبه كلي داخل البحر، إلى منطقة السايس التي تتوفر على أراضي فلاحية شاسعة جدا وخصبة وتشكو شح المياه، وذلك عبر طريق سيار مائي مكون من قنوات مائية باطنية؛
تحويل كميات هامة من مياه الأمطار المنهمرة سنويا على منطقة الغرب والتي تتسبب في فيضانات جارفة وتضيع بكميات ضخمة داخل البحر، إلى منطقتي الحوز وسوس – ماسة اللتين تعدان خزانا فلاحيا ضخما لبلدنا يعاني بدوره من شح المياه ويعيش تحت تهديد اندثاره كلية على المدى القريب؛
إنشاء محطات جهوية لتنقية المياه العادمة من أجل إعادة صبها واستعمالها في السقي الفلاحي؛
إطلاق برنامج 10 ملايين هكتار من التشجير على مدى عشر سنوات سيهم كل الجهات القروية والجبلية للمملكة وسيمكن من خلق فرص شغل مكثفة دون ما سيذره إنتاج خشب هذه الغابات من مداخل وفرص عمل في الصناعة الخشبية التي ستنشأ؛
إحداث مشاريع سياحية وبيئية للمناطق الجبلية في كل جهة حسب خصوصياتها ومؤهلاتها واستجلاب استثمارات وطنية ودولية ومشهود لها بالتخصص؛
تغطية حاجيات العالم القروي والمناطق الجبلية من الكهرباء والماء الصالح للشرب والطرق والمسالك القروية والمراكز الصحية؛
والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله.
إذا كانت كل المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادي للمغرب تبعث حسب الحكومة، على الارتياح والتفاؤل، فإن توزيع خيراته وثمار نموه يعاني من اختلالات صارخة. فالتقرير الذي أعد بأمر ملكي من طرف كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب ليجيب عن تساؤلات المغاربة أين هي ثروة المغرب؟ توصل إلى أن الثروة الموجودة بالمغرب تقدر بما يناهز 13.000 مليار درهم، أي 1.300 مليار أورو، 70% من هذه الثروة غير مادي؛ وأن هذه الثروة تضاعفت مرتين في عهد الملك محمد السادس نصره الله خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2013. لكن توزيع ثمارها يعاني من غياب العدالة والإنصاف. فهناك نسبة 10% من أغنياء المغرب يستهلكون 33% من ثروته. ويعني ذلك أن حصيلة النمو لا تصل إلى كل المغاربة.
إن هذه الاختلالات الاجتماعية لن تساعد على إرساء سياسة تنموية متوازنة. والقراءة التقنوقراطية للوضع الاقتصادي في البلاد ستظل ناقصة، إذا لم تواكبها مقاربة سياسية وسسيولوجية وثقافية للمشاكل.
إخفاقات المنظومة التعليمية
يعتبر التعليم مفتاح صعود كثير من الاقتصاديات في آسيا مثل كوريا وسنغافورة وماليزيا وتركيا. ويمكن أن يكون كذلك في بلادنا محفزا لمضاعفة الرأسمال اللامادي الذي سيرتفع حسب بعض المختصين بنسبة 80%. لكنه يعاني من التأخر والشلل وبالتالي ضعف مردوديته ومساهمته في تنمية البلاد.
فمجرد نظرة شكلية بسيطة لا تنفذ إلى عمق أمراضه الممثلة في مناهجه وطرق تدبيره ومقارباته البيداغوجية، تظهر لكل ملاحظ الكثير من هذه المشاكل. ولعل أهمها يكمن في تدبير الزمن المدرسي، ومن تجلياته الهدر والاكتظاظ وضعف التأطير. وإليكم بعض الأرقام المعبرة عن هذا الواقع البئيس :
المكررون في أسلاك التعليم : 413.000 في السنة ؛
نسبة التخرج في الإجازة : 3,42% (3 سنوات) ؛
نسبة التخرج بعد 5 سنوات : 6,7% ؛
نسبة الطلبة الذين يحصلون على إجازة خلال ست سنوات : 3,9% ؛
والانقطاع عن الدراسة يرتفع كلما تقدم التلميذ في المستوى كما يلي :
%1,2 في الابتدائي بالنسبة للسنة الدراسية 2016 – 2017
2,10% في الإعدادي والثانوي عن السنة الدراسية 2016 – 2017
ويهم الأمر إجمالا 400 ألف تلميذ سنويا.
نسبة الاكتظاظ : 8،8% في الابتدائي بمعدل 40 تلميذ في القسم ؛
26% في الإعدادي، أي 45 تلميذ في القسم كمعدل ؛
23% في الثانوي، أي ما يناهز 44 تلميذ في القسم كمعدل.
وفي بعض الكليات ككليات الحقوق 260 طالب لكل مائة مقعد.
التأطير: 189 طالب لكل أستاذ في كليات الحقوق و85 طالب لكل أستاذ في كليات الآداب و31 طالب لكل أستاذ في كليات العلوم.
وفي هذا الصدد، نذكر باستنتاجات آخر تقرير صادر عن المنتدى الدولي الاقتصادي (WEF) حول الأعمال والذي صنف المغرب في مجال التعليم والتكوين سنة 2017 في المرتبة 110 فيما يخص تنافسية القطاع و120 فيما يخص جودة التعليم.
إن هذا الوضع غير السوي يسائلنا جميعا. ونتمنى أن تثمر الجهود التي تبذلها الحكومة الحالية وجهود كل المسؤولين التربويين في إصلاحه. فبرامج الوزارة المشرفة على قطاع التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي أكدت على تقليص نسبة الاكتظاظ في هذه السنة إلى 30 تلميذ في السنة الأولى ابتدائي وإلى 36 تلميذ في باقي السنوات، وإلى 44 تلميذ بالنسبة للطورين الإعداد والثانوي.
اختلالات وأعطاب قطاع الصحة
يعتبر قطاع الصحة قطاعا حيويا في جميع الدول. فبدون صحة لن يكون هناك عقل سليم ولن يكون هناك مواطن منتج ومطمئن ذهنيا. غير أن هذا القطاع بدوره يعاني منذ عقود من الاختلالات والأعطاب.
فالتقرير الذي أعدته النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام قدم صورة قاتمة عن وضع المستشفيات العمومية. فهناك خصاص مهول في الأطر الطبية وشبه الطبية والموارد البشرية. وبشكل عام، هناك خصاص في التجهيزات الضرورية للعمل والوسائل البيوطبية. كما أن هناك نقصا كبيرا في المواد البشرية والأطباء على الخصوص في مختلف الجهات وخصاص كبير في التخصصات.
وهنا يمكن أن نقدم بعض الأمثلة. ففي العالم القروي نجد العديد من الجماعات الترابية تعرف فائضا في الموارد البشرية، وغير بعيد عن مقر هذه الجماعات نجد مستوصفات فارغة من أي ممرض ومدارس بدون معلمين.
كما أن بعض الاحصائيات كشفت أن 75 % من المستشفيات غير صالحة للقيام بالمهام التي أنشئت من أجلها. فهي عبارة عن جدران متسخة لا تصلح حتى لإيواء القطط. وهذه المرافق لا تحترم المعايير المعتمدة من طرف منظمة الصحة العالمية. حتى الأموال التي ترصد لتأهيلها هي مجرد تبذير وهدر للمال العام. لذا، صنفت في أسفل الترتيب على المستوى العالمي.
فلا نستغرب إذا لنسبة الوفيات في صفوف الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة والذين يلجؤون كرها لهذه المرافق وكذا في صفوف النساء الحوامل والأطفال الرضع. ولا نستغرب كذلك لعودة أمراض الفقر في بلادنا كالسل والجذام واللشمانيا.
إن هذا الوضع يمس بحق المواطنين في ولوج الخدمات الصحية ويمس كذلك بحقوقهم الإنسانية والدستورية في المساواة والمواطنة.
والغريب في كل هذا، أن هذا الوضع ليس قدرا محتوما. فبقليل من الإرادة والعزيمة يمكن تغييره إلى ما هو أفضل. فلو كانت هناك إرادة وتصميم على المستوى الوطني والجهوي لتم إعادة تكوين الفائض من الموظفين وتعيينهم في مثل هذه المرافق التي تعاني من الخصاص المذكور.
الوسائل المالية لا تستجيب لحجات القطاعات الاجتماعية
إن الإمكانيات المالية والموارد البشرية التي رصدتها الحكومة في الميزانية العامة لسنة 2018 إذا كانت مهمة بالنسبة للبعض نظرا لحجمها، والنسبة التي خصصت منها للقطاعات الاجتماعة أي ما يناهز 50% من الميزانية. فقطاع التعليم رصد له 59 مليار درهم، أي بزيادة 5 مليارات درهم مقارنة مع 2017 و20 ألف منصب مالي في إطار التعاقد، إضافة إلى 35 ألف منصب محدث برسم سنة 2017 أي ما مجموعه 55 ألف منصب شغل في ظرف سنتين)، فالسؤال الذي يظل مطروحا : هل معالجة مشاكل التعليم يكمن في توفير الموارد المالية والبشرية فقط ؟ أم أن جوهر اختلالات القطاع يكمن في التخطيط وإعداد البرامج البيداغوجية الملائمة في إطار سياسية تعليمية محكمة تستشرف الآفاق المستقبلية ؟
ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن إصلاح المنظومة التربوية بشكل جذري، وبعدما قمنا بتجارب عديدة وأعددنا برامج طوال عقود، كان آخرها البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين والذي رصدت له مبالغ ضخمة (54 مليار درهم من 2009 إلى 2015)، دون أن يحقق الأهداف المرسومة له، ها نحن نعيد الكرة وفي إطار دائرة مغلقة، وذلك بتبني مقاربات غير محسوبة العواقب، معتقدين أن توفير عدد من المناصب سيحل الإشكالات العويصة للقطاع.
ذلك أن إصلاح التعليم لا يقتصر في إحداث مناصب الشغل فقط. فبدون تكوين وتحسين لظروف عمل الطبقة الشغيلة في قطاع التعليم لا يمكن الرفع من جودة تعليمنا وتطويره.
وهنا تجدر الإشارة إلى مفارقة كبيرة تتعلق بطبيعة مناصب الشغل المحدثة في هذا المجال، فعدد المناصب الحقيقية التي تم إحداثها لم تتجاوز 700 منصب شغل. أما الباقي أي 20.000 فقد تم في إطار التعاقد، مما يثير تساؤلات حول مدى تكوين هؤلاء المتعاقدين، خصوصا إدا علمنا أن عددهم في تزايد مطرد وأن عددا من المراكز التربوية الجهوية للتكوين وأطرها ظلت غير مشتغلة لفترات طويلة، وكان بالإمكان استغلالها لدورات تكوينية ولو قصيرة للأساتذة المتعاقد معهم. والغريب كذلك أن هناك عددا كبيرا من الأساتذة حملة الدكتوراه في التعليم الابتدائي والثانوي يقدر بحوالي 7.000 أستاذ يطالبون بالالتحاق بالتعليم العالي لسد الخصاص المقدر بحوالي 9.000 أستاذ. لكنه لم تتم تلبية طلباتهم لأسباب غير واضحة.
وإذا تناولنا أوضاع التعليم الخصوصي الذي لم يحقق لحد الآن الأهداف المنتظرة منه ومن أهمها تغطية نسبة 20% من التمدرس، وتغليبه للطابع التجاري وحرصه على الاستفادة من الإعفاء الجبائي بشكل دائم وبدون مبرر غالبا، فسيتضح مدى التخبط الذي تسير فيه منظومتنا التربوية.
هذا فقط بالنسبة لقطاع واحد ومهم من القطاعات الاجتماعية. أما إذا رجعنا إلى قطاع آخر لا يقل أهمية منه وهو قطاع الصحة، فسيتضح كذلك أن المشكل ليس دائما ماديا يعالج برفع الاعتمادات المادية. فبالله عليكم كيف يمكن أن نتصور المفارقة بين التكلفة التي يتطلبها تكوين طبيب واحد منذ الابتدائي إلى تخرجه من كلية الطب ولو بدون منحة وفي الأخير يرفض العمل في القطاع العام ويحرص على فتح عيادة خاصة له للحصول على دخل أعلى دون أن يبالي بمعاناة المواطنين الذين يعانون في البوادي والمناطق النائية. لقد حاولت الحكومة السابقة إيجاد حل لهذا المشكل ولم توفق إلا نسبيا وكانت الغلبة في الأخير للمطالب النقابية الأطباء.
الإصلاح الجبائي الحقيقي
لقد عملت الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2018 على اقتراح مجموعة من التدابير الجبائية التحفيزية عبارة عن إعفاءات جزئية أو كلية دائمة أو مؤقتة لفائدة مجموعة من القطاعات والهيئات والعمليات. وإذا كنا من حيث المبدأ لا نعارض أي تخفيض من الضغط الجبائي، شريطة أن يكون مبررا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ويتم تقييم نتائجه كل ثلاث سنوات، فإننا بالمقابل نرى أن الإصلاح الجبائي الوارد ذكره في البرنامج الحكومي وكذا في التوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات والصادرة كذلك عن كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، يجب أن يهدف أساسا إلى توسيع الوعاء الجبائي عن طريق الحد من الإعفاءات الضريبية غير المبررة، علما أن المبلغ الإجمالي للنفقات الجبائية يتجاوز 33 مليار درهم كما سبق الذكر. في حين أن مشروع قانون المالية الحالي لم يقترح أي تدبير من شأنه تقليص تلك الإعفاءات غير المبررة والعمل على الوفاء بالالتزام المتعلق بتوسيع الوعاء الضريبي.
غياب معطيات حول عدد الملزمين
وفي هذا الصدد، نرجو أن تمدنا الحكومة بمعطيات وإحصائيات تكشف عن تطور عدد الملزمين برسم كل من الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة خلال 15 سنة الأخيرة التي عرفت إصلاحا جذريا، وذلك لنقف ليس فقط على التطور الحاصل في هذا المجال, ولكن لنكون على علم كذلك بنسبة التصريحات التي تسفر عن دفع الضريبة والتصريحات التي تسجل عدم تحقيق ربح أو حصول عجز برسم كل ضريبة. كما نود أن تطلعونا على نسبة الأجراء الخاضعين للضريبة على الدخل ونسبة الخاضعين لهذه الضريبة برسم الضرائب الأخرى (الدخول المهنية والدخول الزراعية والعقارية ودخول رؤوس الأموال المنقولة).
فحسب علمنا وما أسفرت عنه بعض الدراسات الميدانية، فإن الملزمين الذين يساهمون في التكاليف العمومية برسم الضريبة على الدخل مثلا لم يتغير منذ عشرات السنين وبقي الضغط بخصوص هذه الضريبة مركزا على الأجراء الذين يساهمون بنسبة 80% من حصيلة الضريبة على الدخل. في حين تنفلت من واجب المساهمة في الواجب العمومي عدة أنشطة غير محصاة ولا تقوم الإدارة بأي إجراء رادع تجاهها رغم كل التحفيزات المقدمة في النظام الجبائي.
أما سيدي الوزير على صعيد الضرائب العائدة للجماعات المحلية سواء منها المحولة لفائدتها من الدولة أو التي تقوم بتدبيرها نفس الجماعات الترابية بموجب القانون رقم 06-47 فإنها تعتريها عدة اختلالات يجب تسريع فتح ورش إصلاح ذلك القانون مع الحرص على إعادة هيكلة الإدارة الجبائية المحلية وتأهيل مواردها البشرية وتزويدها بالنظم المعلوماتية الضرورية لتضطلع بمهام الإحصاء وإصدار الضريبة واستخلاصها على أحسن وجه.
مقترحات الفريق الاستقلالي
إن حزب الاستقلال وعيا منه بواجبه الوطني في المساهمة بمد الحكومة بغض النظر عن تموقعه بالأفكار والمقترحات الكفيلة بمعالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية على ضوء التوجيهات الملكية ليغتنم هذه الفرصة ليثير انتباه الحكومة إلى بعض المقترحات المفصلية التي من شأنها إعادة الثقة إلى دواليب الاقتصاد الوطني وخلق جو من الطمأنينة داخل المجتمع المدني وهي :
الإسراع بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي للنقاش وتتبع وضعية الشباب وإعادة النظر في برامج التكوين المهني وتخصيصه بالأولوية بالاعتمادات الضرورية حسب حاجيات اللاستثمارات على صعيد كل جهة.
تعزيز الاعتمادات والتحفيزات المخصصة للبحث العلمي عن طريق الشراكة بين الجامعات ومراكز البحث العلمي والمقاولات للانتقال بالنسيج القابل لاستيعاب فرص الشغل كالقطاع الصناعي والفلاحي وقطاع الصيد البحري إلى قطاعات ذات قيمة مضافة قادرة على المنافسة والرفع من قيمة الصادرات وفي هذا المجال يجب الاستفادة من خبرات الجالية المغربية في الخارج ؛
فتح ورش تشريعي للقانون رقم 15-97 المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية في اتجاه البحث عن نجاعة إجراءات التحصيل حسب نوعية الديون العمومية لتفادي تراكم الباقي استخلاصه وإقامة توازن في إجراءات التحصيل بين حقوق الخزينة وحقوق الملزمين بمختلف الضرائب والرسوم ؛
وفيما قبل الأخير، فإنه لا يسعنا إلا أن نعبر في هذه العجالة عن انشغالنا العميق عن كيفية معالجة الحكومة لمعضلة الدين العمومي المتفاقم سواء منه الداخلي أو الخارجي وعدم تحديد إستراتيجية للعمل على البحث عن مصادر التمويل الميسرة لدى الدول الصديقة والمؤسسات المانحة وعن تأرجح القرار المتعلق بتحرير الصرف وإقامة مرصد مستقل للمالية العمومية يتمتع بالاستقلالية والشفافية عن جميع المؤسسات المتدخلة في القرارات النقدية والمالية والذي من شأنه منح الثقة للمؤسسات الأجنبية والمستثمرين الأجانب على وجه الخصوص.
من الواجب إذن، إرساء برنامج لحوار اجتماعي مسؤول ومتعاقد عليه بين الحكومة وأرباب المقاولات والنقابات المهنية على مدى الولاية الحكومية يبلور الإصلاحات الواجبة على صعيد مراجعة منظومة الأجور وتنظيم العمل وتبسيط إجراءات التشغيل والتعويض عن ضياع الشغل وتنظيم الوساطة في التشغيل.
إن هذا الإصلاح الأخير لما له من أهمية واستعجال، نعتبره في حزب الاستقلال من بين صمامات الأمن المقاولاتي والاجتماعي ولا نريد أن نجعله موضوعا لأية مزايدات سياسوية من أي طرف كان في المعارضة أو الأغلبية، ويجب أن يسوده حوار تشاركي مسؤول ومحدد يستهدف إقامة توازن بين القدرة الشرائية والحفاظ على تكلفة الإنتاج وتنافسية المقاولة الوطنية.
رافعة الانتقال التدريجي من الاقتصاد غير المهيكل إلى اقتصاد مهيكل كوسيلة للحكامة والتنافسية الاقتصادية..
يرى الحزب ضرورة الانتقال التدريجي من الاقتصاد غير المهيكل إلى اقتصاد مهيكل دون أي ارتباك أو إرباك لقطاعات مشغلة جدا ومنتجة للقيمة المضافة، وذلك بتفعيل التدابير التالية :
تحسين مناخ الأعمال وتبسيط المساطر الإدارية؛
تطوير وتعميم الحماية الاجتماعية وضمان الحقوق الأساسية للعمل؛
تحفيز المبادرة على خلق المقاولة الذاتية بالمواكبة والتأهيل والتكوين؛
ضمان الحقوق الأساسية للعمل والتمثيل النقابي؛
إقرار مقاربة ضريبية تفضيلية للاقتصاد غير المهيكل في أفق إدماجه، تقوم على:
إعفاء كلي من الضريبة على الأرباح خلال الخمس سنوات الأولى للتصريح؛
الإعفاء من مساهمة المشغل في التكاليف الاجتماعية خلال نفس الفترة؛
تحديد الضريبة على الأرباح في حدود 5 % خلال الثلاث السنوات الموالية ثم 10 % بعد هذه المدة.
أما على المستوى المؤسساتي فيرى الحزب :
إحداث وكالة وطنية لإدماج الاقتصاد غير المهيكل؛
وضع تنظيم للمهن والحرف؛
تعزيز جهاز تفتيش الشغل؛
مراجعة مدونة الشغل.
رافعة المقاولة الجد صغيرة والصغيرة والمتوسطة كخزان للنمو الاقتصادي والتشغيل المكثف
معطيات للتذكير
تشكل هذه المقاولات 95 % من النسيج المقاولاتي الوطني
تسجل منذ 2012 إلى 2016 نسبة إفلاس سنوية تتجاوز 17 % وراكمت مستوى 6000 مقاولة مفلسة سنة 2016 عوض 2700 سنة 2011.
تعاني هذه المقاولات من نذرة التمويل والمرافقة والافتحاص وتلعب دور بنك لزبنائها في الوقت الذي تعاني فيه من نذرة السيولة.
التدابير الاستعجالية
ربط هذه المقاولات كل في اختصاصه بالاستراتيجية الصناعية “إيكو سيستم” للحكومة بحيث تشغل الشركات الكبرى المتعاقدة مع الدولة في هذا المجال المقاولات جد الصغيرة والصغيرة والمتوسطة التي يجب أن تعمل في فلكها ومحيطها؛
إيلاء دور جديد للأبناك على مستوى التمويل والمرافقة:
تمويل بناء على التعاقدات التجارية المبرمة للمقاولات وليس على أي معيار آخر كالرهن أو الأقدمية
القيام بمهام جديدة لصالح لهذه المقاولة:
دراسات الجدوى
دراسات الأسواق
دراسات مالية
تتبع وافتحاص مالي
تدعيم إحداث شركات يتكون رأسمالها من المساهمة الجماعية لكل تجمع من المقاولات، يكون لها دوران:
تجميع وتعاضد مشترياتها؛
تجميع وتسويق عرضها في الأسواق وللطلبات الكبيرة داخليا ودوليا
إحداث نظام تأمين جماعي لمستخدمي هذه المقاولات
رافعة القطاعات الواعدة للتصدير وذات القيمة المضافة العالية
معطيات عن قطاع الحلال:
رقم المعاملات السنوي للقطاع على المستوى الدولي 800 مليار دولار
93 % من واردات الدول الإسلامية تأتي من أوربا وأمريكا
المغرب مؤهل باعتباره بلد إسلامي ويتوفر على قطاعات غذائية رائدة، أن يصبح قوة تصديرية متميزة على المدى القريب جدا إن باشر عملية التصديق الدولي “الحلال” على بنياته الإنتاجية ودخل في شراكات تجارية دولية.
التدابير:
التصديق الدولي تحت علامة “حلال”، على مؤسسات الإنتاج الوطنية في كل قطاعات الإنتاج الغذائي
تبادل الإعتراف بين المؤسسة الوطنية للتوصيف والتصديق والمؤسسات المماثلة في الدول المستهدفة
خلق علامة وطنية للإنتاج “حلال”
وضع استراتيجية وطنية استعجالية لتسويق وتصدير المنتوجات “حلال” في أفق الوصول إلى أن تمثل صادراتنا الوطنية 1 % من المبادلات الدولية في القطاع خلال الخمس سنوات القادمة.
تدعيم حضور الخواص المعنيين للمعارض الدولية المتخصصة من أجل التعريف بالمنتوج المغربي وربط الشراكات التجارية
رافعة المشاريع الكبرى والبنيات التحتية كآلية لتدعيم تجهيز البلد
وكمصعد للحد الأدنى من الكرامة، يراهن الحزب على إعطاء الانطلاقة لبرنامج وطني طموح يتوخى تزويد العالم القروي بالتجهيزات الأساسية المرتبطة بحاجيات السكان من طرق ومسالك ومستوصفات وربط بشبكة الماء والكهرباء. كما يتوخى خلق فرص تشغيل مكثفة ومستديمة للساكنة القروية عبر مشاريع محددة ومضبوطة في الزمان والمكان.
وتتكون هذه المشاريع من :
تحويل مياه الأمطار المنهمرة سنويا وباستمرار على منطقة الشمال والتي تضيع بشكل شبه كلي داخل البحر، إلى منطقة السايس التي تتوفر على أراضي فلاحية شاسعة جدا وخصبة وتشكو شح المياه، وذلك عبر طريق سيار مائي مكون من قنوات مائية باطنية؛
تحويل كميات هامة من مياه الأمطار المنهمرة سنويا على منطقة الغرب والتي تتسبب في فيضانات جارفة وتضيع بكميات ضخمة داخل البحر، إلى منطقتي الحوز وسوس – ماسة اللتين تعدان خزانا فلاحيا ضخما لبلدنا يعاني بدوره من شح المياه ويعيش تحت تهديد اندثاره كلية على المدى القريب؛
إنشاء محطات جهوية لتنقية المياه العادمة من أجل إعادة صبها واستعمالها في السقي الفلاحي؛
إطلاق برنامج 10 ملايين هكتار من التشجير على مدى عشر سنوات سيهم كل الجهات القروية والجبلية للمملكة وسيمكن من خلق فرص شغل مكثفة دون ما سيذره إنتاج خشب هذه الغابات من مداخل وفرص عمل في الصناعة الخشبية التي ستنشأ؛
إحداث مشاريع سياحية وبيئية للمناطق الجبلية في كل جهة حسب خصوصياتها ومؤهلاتها واستجلاب استثمارات وطنية ودولية ومشهود لها بالتخصص؛
تغطية حاجيات العالم القروي والمناطق الجبلية من الكهرباء والماء الصالح للشرب والطرق والمسالك القروية والمراكز الصحية؛
والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله.