أشرف الأمين العام لحزب الاستقلال، الأستاذ نزار بركة، بالمركز العام للحزب في الرباط إلى الساعات الأولى من صباح الجمعة، على لقاء تقديم مشروع الحزب للنموذج التعادلي للتنمية البشرية المستدامة، والذي قدم عرضا متكاملا حوله كل من الأخ كريم غلاب، عضو اللجنة التنفيذية، رئيس لجنة النموذج التنموي، والأخ عبد اللطيف معزوز، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، مقرر اللجنة. وذلك بحضور عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، ورؤساء وأعضاء المكاتب لروابط الحزب ومنظماته الموازية.
وفي مستهل كلمته بالمناسبة، شكر الأخ الأمين العام، اللجنة على عملها وكذا الحضور، معبرا عن سروره بالإشراف على هذا اللقاء، المندرج في إطار البرنامج التنموي الذي سطرته اللجنة التنفيذية للحزب للعمل على بلورة وتطوير المشروع الذي أعدته لجنة النموذج التنموي، وصادقت عليه اللجنة التنفيذية في شهر فبراير المنصرم بخصوص النموذج التنموي الجديد الذي يعكف الحزب على إعداده. ووضح الأستاذ بركة، أن هذا العمل منبثق من دعوة جلالة الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان إلى إعداد هذا النموذج من أجل الوصول إلى العديد من النتاج، خاصة في ظل وصول النموذج التنموي الحالي لمداه، أي أنه استنفد الأهداف المرسومة له. وبالتالي أصبح من الحتمي وضع نموذج جديد للنهوض ببلادنا، من أجل توزيع عادل للثروة ولتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية...
في هذا الإطار، نوه الأخ الأمين العام بتفاعل اللجنة التنفيذية، مع لجنة النموذج التنموي التي يترأسها الأخ كريم غلاب، لإعداد هذا النموذج بمعية فعاليات من روابط الحزب وخبرائه بغاية وضع هذا التصور الذي سيتم عرض على الحزب، مذكرا بأن تاريخ 22 أبريل المنصرم، كان فرصة سانحة لمناقشة المشروع وإغنائه. ومن خلال هذا اللقاء واللقاءات الأخرى المبرمجة سيتم إثراؤه أكثر بمقاربة تشاركية على الصعيدين الوطني والجهوي. وفي توضيحه لفحوى هذا المشروع، قال الأخ الأمين العام، إن حزب الاستقلال يتوخى من خلال هذا المشروع أكثر من مجرد إصلاحات قطاعية معزولة، وإعادة ترتيب بعض الأوراش الاقتصادية والاجتماعية، وإنما يتطلع لبلورة رؤية مندمجة للنموذج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والبيئي ببلادنا، وكذا منظومة الحكامة الترابية والمركزية بكل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره، ورؤية كفيلة بإعطاء دفعة قوية وتجاوز العراقيل المعيقة للتطور ومعالجة نقط الضعف والاختلالات التي أبانت عنها التجربة، وهنا كان الأمين العام يقتبس من النطق الملكي.
نموذج تنموي جديد وليس برامج قطاعية
وحول رؤية المشروع، شدد الأستاذ بركة، على أن الحزب بصدد وضع نموذج تنموي جديد، وليس وضع برامج قطاعية، وبينهما بون شاسع، لأن النموذج التنموي يندرج في إطار مشروع مجتمعي يتم تحديده في إطار الدستور، الذي ينص على عدة مبادئ وحقوق، خاصة العهد الجديد لحقوق الإنسان التي ينبغي ضمان تفعيلها بالنسبة للجميع، موضحا أن المنطلق هو توفر الحزب على تصور فيه الأبعاد المذكورة كلها، ما يجعله مشروعا متكاملا ومندمجا. والقناعة الثانية التي عبر عنها الأمين العام هي «أننا لن ننطلق من لا شيء»، لأن المغرب حقق العديد من المكتسبات، ما يجعل الحكم على النموذج الحالي بالفشل غير ممكن، لأنه حقق العديد من المكتسبات وقد بلغ سقفه ما يملي إيجاد نموذج جديد للمرور لسقف آخر وتكوير أعمالنا.
وعاد الأستاذ بركة، إلى الإنجازات المحققة في ظل حكومة الأستاذ عباس الفاسي في عدة مجالات، مستشهدا بالبنية التحتية، التي همت إنجاز الطرق السيارة التي كانت 100 كلم لتصبح 1500 كلم في أفق 1800 كلم، وكذلك وقع تطور مهم في ما يخص الموانئ والمطارات وتأهيل المدن ومحاربة الفقر، الذي تراجع من 15 في المائة إلى 4,8، وتحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية لا سيما الماء والكهرباء. كما بين الأخ الأمين العام، عن وقوع تحول في الاقتصاد الوطني الذي برزت فيه قطاعات هامة مثل قطاع السيارات الذي أصبح المصدّر الأول في المغرب، مستدركا أن لدى المغرب اليوم إشكاليات جديدة منها أساسا إشكالية التشغيل، الذي حدث تراجع في محتواه بنسبة 75 في المائة، وإشكالية التنافسية والفوارق الاجتماعية والمجالية.. وكلها تدعو لضرورة إيجاد نموذج جديد للمرور نحو محطة جديدة لتجاوز هذه التحديات المطروحة أمام بلادنا.
تصور غير مسبوق..
من جهته، وخلال تقديمه للخطوط العريضة لمشروع النموذج التنموي الجديد، قال الأخ كريم غلاب، إن هذا العمل هو نتاج مجهود مشترك مع الإخوة والأخوات أعضاء لجنة النموذج التنموي، وهو عمل مستمر منذ ستة أشهر لتحضير ورقته والأفكار، وكذلك لمحاولة إفراز توصيات واضحة في هذا الصدد. وبيّن غلاب طبيعة المشروع وتصوره المركب والمدروس والمهيكل، والذي ينطلق بشأنه مسلسل من النقاشات والمشاورات لإغناء محاوره الستة التي ستعمق خلال لقاءات جهوية ابتداء من اليوم السبت في طنجة. وحول عنوانه «النموذج التنموي للتعادلية البشرية المستدامة»، قال إنه ينبثق من العقيدة الاستقلالية وثوابت الحزب، ومن أبحاث الحزب وبعض الهيئات الوطنية والمنظمات الدولية.
مواصلة التشاور حول وثيقة المشروع
وشدد على كون وثيقة المشروع لا تدعي لا الكمال ولا الشمولية، فالتشاور حولها مستمر، كما أنها اختارت عدم التطرق إلى كل الأشياء لعدم تمييع الموضوع، وإنما اقتصر على مواضيع ذات أهمية وراهنية خاصة، متطرقا لتعريف النموذج التنموي كتصور يرجع إليه في تحديد السياسات العمومية. والتنمية البشرية كنوع من التنمية يضع الإنسان وجودة عيشه في صلب سياسته، والتنمية المستدامة التي تحرص على ألا يكون تنمية جيل معين على حساب جيل آخر من خلال ترك المكتسبات بمستويات تكفي للأجيال الصاعدة. وهنا يطرح الحزب مفهوما نظريا جديد لا يوجد في أدبيات الاقتصاد ولا التنمية هو مفهوم لتنمية البشرية المستدامة، الذي يدمج المفهوم الأول «التنمية المستدامة» مع الثاني «التنمية البشرية» ليعطي «التنمية البشرية المستدامة» كمفهوم يشمل وضع الإنسان في صلب اهتمامات التنمية والتي يجب أن تكون في وضع أفضل للأجيال المستقبلية.
كما تطرق الأخ غلاب لتحديات النموذج التنموي، التي يلخصها المشروع في خمسة تحديات هي الفوارق الاجتماعية، والفوارق المجالية، والشغل (خصوصا تشغيل الشباب)، والولوج إلى الخدمات الاجتماعية، التصدي لأزمة الثقة في المؤسسات العمومية.
اعتماد حكامة ناجعة مع الحرص على تقوية الديمقراطية، هو عنوان أول محور من محاور مشروع النموذج التعادلي، الذي قدمه الأخ غلاب، وهو محور يوصي من خلاله حزب الاستقلال بمواصلة بناء دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات الديمقراطية، وتسريع وتيرة العمل في تنفيذ الاستراتيجيات وبرامج التنمية والاستثمارات الخصوصية والعمومية، فضلا عن تطوير القدرات الاستباقية لصناع القرار والحرص على حسن إعداد الاستراتيجيات والبرامج ومبادرات التنمية، إضافة إلى مأسسة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتحسين فعاليته، حيث يجب أن يشمل هذا المبدأ المسؤوليات السياسية والعملية في الشأن العمومي.
وخلص المحور أيضا، إلى ضرورة تعزيز تقيم السياسات العمومية وتحديد الفاعلين السياسيين وتوضيح اختصاصاتهم، وتطوير قدرات الدولة في ضمان الشفافية والإنصاف والمنافسة الشريفة في العلاقات الاقتصادية داخل الأسواق الوطنية، والإسراع في تطبيق الجهوية المتقدمة وتحسين الحكامة الجماعية.
جعل التشغيل في صلب السياسات العمومية والقرارات الاقتصادية
أما المحور الثاني الذي قدمه الأخ رئيس اللجنة، فينصب على جعل التشغيل في صلب السياسات العمومية والقرارات الاقتصادية، وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3 في المائة من إحداث 150 ألف منصب شغل، عوض 5 في المائة يخلق فقط 60 ألف منصبا للشغل، من خلال إعادة تقييم القدرات الحقيقية لخلق مناصب الشغل للاستراتيجيات القطاعية الحالية، سواء المصدرة أو غير المصدرة، ومراجعتها بهدف الرفع من قدرتها التشغيلية.
الحفاظ على رصيد الشغل وتنميته في القطاعات الاقتصادية التاريخية بالمغرب، كهدف أساسي من الأهداف التي تضمنها المحور، بالإضافة إلى تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة والناشئة، وإطلاق عملية للتعبئة الوطنية للشباب العاطل وتشغيله في إطار خدمة مدنية من نوع جديد، هذه العملية ستبنى على التطوع وستدوم 12 شهرا مقابل تعويض، ومساعدة الشباب دون مؤهلات على إيجاد شغل، وأخيرا تضمن المحور تأكيدا على ضرورة ملائمة سياسة الهجرة لبلدنا مع آفاق تطور حاجيات سوق الشغل في المغرب وفي بلدان الاستقبال.
الادماج الاقتصادي في خدمة محاربة الفقر
أما المحور الثالث من مشروع النموذج التعادلي، والذي يتعلق بتحسين الجاذبية والتنافسية الاقتصادية، فقد قدمه مقرر الجنة، الأخ عبد الطيف معزوز. ويروم هذا المحور، تخصص واستقلالية المنتجات والخدمات الاستراتيجية، وتنمية القطاعات العصرية، بالإضافة إلى تنمية مقاولات وطنية كبيرة وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتشغيل الذاتي وإنعاش المناطق الصناعية الكبرى وتطوير المبادرة الحرة، والبحث عن الإنتاجية بمراعاة ضوابط التنمية المستدامة. كما تطرق نفس المحور، إلى نقطة مهمة وهي ربط المغرب بالأسواق العالمية عبر شركة ناجعة ومتعددة الأنماط، دون إغفال تحسين التنقل الحضري.
تنمية الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر
وأضاف الأخ عبد الطيف معزوز، خلال عرضه بالمناسبة، أن المحور الرابع والذي يهم تنمية الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر، هو من بين أهم المحاور التي ينبني عليها البرنامج الجديد، الذي جاء فيه الحث أولا على تحديد وتعريف عتبة الفقر كأساس لمعرفة الحاجيات المعيشية للساكنة المغربية وتمكينها من ولوج الخدمات الاجتماعية الأساسية. فضلا عن إحداث منظومة معلوماتية موثوق بها حول مداخيل وممتلكات المواطنين والأسر، تمكن من الاستهداف الاجتماعي الفعال، والارتقاء بتقوية الطبقة الوسطى إلى أولوية وطنية وتتبع تحقيق هذا الهدف بانتظام، وستستهدف هذه السياسة جعل 80 في المائة من المواطنين ينتمون للطبقة الوسطى.
وفي نفس المحور أكد الأخ معزوز، على أهمية القيام بتقييم عميق للتدخلات المباشرة لمحاربة الفقر وعقلنتها وتنويع المصاعد الاجتماعية لتحسين درجة الاندماج الاجتماعي، وجعل الصناعة التقليدية المبنية على الخصوصيات المحلية، قطاعا نموذجيا لتنمية الأنشطة المدرة للدخل و المقاولات الذاتية في الجماعات و الجهات، بالإضافة لتدارك الشق المتعلق بالزراعة التضامنية لمخطط المغرب الأخضر، ووضع مخطط وطني لتنمية الجمعيات ذات النفع العام والتعاونيات مع تشجيع الابتكار الاجتماعي واعتماد مسالك التكوين الملائمة، كما أعطى هذا المحور أهمية كبيرة لإدماج الأشخاص دوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والحياة العملية، والعناية بالأشخاص المسنين والمتقاعدين.
مشروع طموح لخدمة المغاربة..
وعاد الأخ غلاب لتقديم، المحورين الخامس والسادس مع الخلاصات، حيث يرتكز المحور الخامس على معطى ذي أهمية بالغة وهو الانخراط الإرادي في الثورات التكنلوجية، من خلال إعداد وتطبيق استراتيجية وطنية لتموقع تفاعلي لبلادنا اتجاه التحولات التكنولوجية، إضافة إلى مضاعفة المجهود الوطني بثلاث مرات في مجال البحث والتنمية ليصل إلى 2,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتنظيم البحث بطريقة أكثر عمقا وتوفير الكفاءات من المستوى العالي في مجال البحث التكنولوجي في الميادين المختارة.
تأهيل المقومات الأساسية للتنمية البشرية
في حين يتعلق المحور السادس كما قدمه الأخ غلاب، بتأهيل المقومات الأساسية للتنمية البشرية: التربية والمساواة والصحة وحماية البيئة.. وذلك من خلال استعادة الدور الريادي للمدرسة والجامعة العموميتين سواء على مستوى الكم والجودة، إضافة إلى إصلاح التنظيم العام لمنظومة التعليم، وإعادة النظر في المناهج البيداغوجية وتعزيز وتقوية التعليم الأولي كمكون أساسي لمنظومة التعليم. وبالنسبة للصحة فقد أكد المشروع على إصلاح عام لمنظومتها وهيكلتها بالفصل بين دوري الفاعل في تقديم الخدمات الصحية والضابط له وتطوير آليات الضبط والتقنين التي تهم مختلف المتدخلين، ووضع نظام إداري فعال لهياكل تسيير الفاعلين في قطاع الصحة. وتطرق المحور أيضا للمساواة بين الجنسين وحماية البيئة.
في خلاصة مشروع النموذج التعادلي للتنمية البشرية المستدامة، التي قدمها الأخ كريم غلاب أيضا، تم التأكيد على أن هذا المشروع هو عبارة عن مساهمة لحزب الاستقلال في النقاش الموسع الذي دعا له جلالة الملك بتقديم بديل للنموذج الحالي، وهو مبني على ثوابت الأمة كما جاء بها الدستور المغربي، ومتشبع بالفكر الاستقلالي المتجدد، وغني بتجارب الحزب في تسيير الشأن العام، مضيفا أن المشروع مبني على رؤية تضع كرامة المواطن المغربي وإسعاده في صلب اهتماماته ومقدمة أهدافه الآنية والمستقبلة، بالإضافة لكونه قاعدة لتعميق نقاش موسع للحصول على وثيقة تفاعلية، قابلة للتحيين، تشكل مرجعية في برامج و خطط عمل الحزب للعشر سنوات المقبلة.
مناقشة مستفيضة لمضامين المشروع
وقد تلت عملية تقديم المشروع مناقشة مستفيضة لمضامين المشروع من لدن الحضور، والتي انصبت في جزئها الأكبر على التنويه بعمل اللجنة، إلى جانب مجموعة من الملاحظات التي تفاعل معها الإخوة الأمين العام ورئيس اللجنة ومقررها. من أمثلة ما جاء في المداخلات هناك الدعوة إلى لتسويق الإعلامي لهذا المجهود والتعريف به لدى المواطنين المغاربة، وتحسين الجاذبية في مجال الحرف التقليدية، الدعة إلى إغناء مسودة المشروع بمعطيات رقمية، الحث على النهوض بالبحث العلمي والرياضة، وإيلاء السياسات الحضرية مكانتها، التركيز على القطائع والتغيرات الجذرية في المجتمع من خلال التزامات وتعاقدات تجعل المواطن في أولويات اهتمامها.
وفي مستهل كلمته بالمناسبة، شكر الأخ الأمين العام، اللجنة على عملها وكذا الحضور، معبرا عن سروره بالإشراف على هذا اللقاء، المندرج في إطار البرنامج التنموي الذي سطرته اللجنة التنفيذية للحزب للعمل على بلورة وتطوير المشروع الذي أعدته لجنة النموذج التنموي، وصادقت عليه اللجنة التنفيذية في شهر فبراير المنصرم بخصوص النموذج التنموي الجديد الذي يعكف الحزب على إعداده. ووضح الأستاذ بركة، أن هذا العمل منبثق من دعوة جلالة الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان إلى إعداد هذا النموذج من أجل الوصول إلى العديد من النتاج، خاصة في ظل وصول النموذج التنموي الحالي لمداه، أي أنه استنفد الأهداف المرسومة له. وبالتالي أصبح من الحتمي وضع نموذج جديد للنهوض ببلادنا، من أجل توزيع عادل للثروة ولتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية...
في هذا الإطار، نوه الأخ الأمين العام بتفاعل اللجنة التنفيذية، مع لجنة النموذج التنموي التي يترأسها الأخ كريم غلاب، لإعداد هذا النموذج بمعية فعاليات من روابط الحزب وخبرائه بغاية وضع هذا التصور الذي سيتم عرض على الحزب، مذكرا بأن تاريخ 22 أبريل المنصرم، كان فرصة سانحة لمناقشة المشروع وإغنائه. ومن خلال هذا اللقاء واللقاءات الأخرى المبرمجة سيتم إثراؤه أكثر بمقاربة تشاركية على الصعيدين الوطني والجهوي. وفي توضيحه لفحوى هذا المشروع، قال الأخ الأمين العام، إن حزب الاستقلال يتوخى من خلال هذا المشروع أكثر من مجرد إصلاحات قطاعية معزولة، وإعادة ترتيب بعض الأوراش الاقتصادية والاجتماعية، وإنما يتطلع لبلورة رؤية مندمجة للنموذج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والبيئي ببلادنا، وكذا منظومة الحكامة الترابية والمركزية بكل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره، ورؤية كفيلة بإعطاء دفعة قوية وتجاوز العراقيل المعيقة للتطور ومعالجة نقط الضعف والاختلالات التي أبانت عنها التجربة، وهنا كان الأمين العام يقتبس من النطق الملكي.
نموذج تنموي جديد وليس برامج قطاعية
وحول رؤية المشروع، شدد الأستاذ بركة، على أن الحزب بصدد وضع نموذج تنموي جديد، وليس وضع برامج قطاعية، وبينهما بون شاسع، لأن النموذج التنموي يندرج في إطار مشروع مجتمعي يتم تحديده في إطار الدستور، الذي ينص على عدة مبادئ وحقوق، خاصة العهد الجديد لحقوق الإنسان التي ينبغي ضمان تفعيلها بالنسبة للجميع، موضحا أن المنطلق هو توفر الحزب على تصور فيه الأبعاد المذكورة كلها، ما يجعله مشروعا متكاملا ومندمجا. والقناعة الثانية التي عبر عنها الأمين العام هي «أننا لن ننطلق من لا شيء»، لأن المغرب حقق العديد من المكتسبات، ما يجعل الحكم على النموذج الحالي بالفشل غير ممكن، لأنه حقق العديد من المكتسبات وقد بلغ سقفه ما يملي إيجاد نموذج جديد للمرور لسقف آخر وتكوير أعمالنا.
وعاد الأستاذ بركة، إلى الإنجازات المحققة في ظل حكومة الأستاذ عباس الفاسي في عدة مجالات، مستشهدا بالبنية التحتية، التي همت إنجاز الطرق السيارة التي كانت 100 كلم لتصبح 1500 كلم في أفق 1800 كلم، وكذلك وقع تطور مهم في ما يخص الموانئ والمطارات وتأهيل المدن ومحاربة الفقر، الذي تراجع من 15 في المائة إلى 4,8، وتحسين الولوج إلى الخدمات الأساسية لا سيما الماء والكهرباء. كما بين الأخ الأمين العام، عن وقوع تحول في الاقتصاد الوطني الذي برزت فيه قطاعات هامة مثل قطاع السيارات الذي أصبح المصدّر الأول في المغرب، مستدركا أن لدى المغرب اليوم إشكاليات جديدة منها أساسا إشكالية التشغيل، الذي حدث تراجع في محتواه بنسبة 75 في المائة، وإشكالية التنافسية والفوارق الاجتماعية والمجالية.. وكلها تدعو لضرورة إيجاد نموذج جديد للمرور نحو محطة جديدة لتجاوز هذه التحديات المطروحة أمام بلادنا.
تصور غير مسبوق..
من جهته، وخلال تقديمه للخطوط العريضة لمشروع النموذج التنموي الجديد، قال الأخ كريم غلاب، إن هذا العمل هو نتاج مجهود مشترك مع الإخوة والأخوات أعضاء لجنة النموذج التنموي، وهو عمل مستمر منذ ستة أشهر لتحضير ورقته والأفكار، وكذلك لمحاولة إفراز توصيات واضحة في هذا الصدد. وبيّن غلاب طبيعة المشروع وتصوره المركب والمدروس والمهيكل، والذي ينطلق بشأنه مسلسل من النقاشات والمشاورات لإغناء محاوره الستة التي ستعمق خلال لقاءات جهوية ابتداء من اليوم السبت في طنجة. وحول عنوانه «النموذج التنموي للتعادلية البشرية المستدامة»، قال إنه ينبثق من العقيدة الاستقلالية وثوابت الحزب، ومن أبحاث الحزب وبعض الهيئات الوطنية والمنظمات الدولية.
مواصلة التشاور حول وثيقة المشروع
وشدد على كون وثيقة المشروع لا تدعي لا الكمال ولا الشمولية، فالتشاور حولها مستمر، كما أنها اختارت عدم التطرق إلى كل الأشياء لعدم تمييع الموضوع، وإنما اقتصر على مواضيع ذات أهمية وراهنية خاصة، متطرقا لتعريف النموذج التنموي كتصور يرجع إليه في تحديد السياسات العمومية. والتنمية البشرية كنوع من التنمية يضع الإنسان وجودة عيشه في صلب سياسته، والتنمية المستدامة التي تحرص على ألا يكون تنمية جيل معين على حساب جيل آخر من خلال ترك المكتسبات بمستويات تكفي للأجيال الصاعدة. وهنا يطرح الحزب مفهوما نظريا جديد لا يوجد في أدبيات الاقتصاد ولا التنمية هو مفهوم لتنمية البشرية المستدامة، الذي يدمج المفهوم الأول «التنمية المستدامة» مع الثاني «التنمية البشرية» ليعطي «التنمية البشرية المستدامة» كمفهوم يشمل وضع الإنسان في صلب اهتمامات التنمية والتي يجب أن تكون في وضع أفضل للأجيال المستقبلية.
كما تطرق الأخ غلاب لتحديات النموذج التنموي، التي يلخصها المشروع في خمسة تحديات هي الفوارق الاجتماعية، والفوارق المجالية، والشغل (خصوصا تشغيل الشباب)، والولوج إلى الخدمات الاجتماعية، التصدي لأزمة الثقة في المؤسسات العمومية.
اعتماد حكامة ناجعة مع الحرص على تقوية الديمقراطية، هو عنوان أول محور من محاور مشروع النموذج التعادلي، الذي قدمه الأخ غلاب، وهو محور يوصي من خلاله حزب الاستقلال بمواصلة بناء دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات الديمقراطية، وتسريع وتيرة العمل في تنفيذ الاستراتيجيات وبرامج التنمية والاستثمارات الخصوصية والعمومية، فضلا عن تطوير القدرات الاستباقية لصناع القرار والحرص على حسن إعداد الاستراتيجيات والبرامج ومبادرات التنمية، إضافة إلى مأسسة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتحسين فعاليته، حيث يجب أن يشمل هذا المبدأ المسؤوليات السياسية والعملية في الشأن العمومي.
وخلص المحور أيضا، إلى ضرورة تعزيز تقيم السياسات العمومية وتحديد الفاعلين السياسيين وتوضيح اختصاصاتهم، وتطوير قدرات الدولة في ضمان الشفافية والإنصاف والمنافسة الشريفة في العلاقات الاقتصادية داخل الأسواق الوطنية، والإسراع في تطبيق الجهوية المتقدمة وتحسين الحكامة الجماعية.
جعل التشغيل في صلب السياسات العمومية والقرارات الاقتصادية
أما المحور الثاني الذي قدمه الأخ رئيس اللجنة، فينصب على جعل التشغيل في صلب السياسات العمومية والقرارات الاقتصادية، وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3 في المائة من إحداث 150 ألف منصب شغل، عوض 5 في المائة يخلق فقط 60 ألف منصبا للشغل، من خلال إعادة تقييم القدرات الحقيقية لخلق مناصب الشغل للاستراتيجيات القطاعية الحالية، سواء المصدرة أو غير المصدرة، ومراجعتها بهدف الرفع من قدرتها التشغيلية.
الحفاظ على رصيد الشغل وتنميته في القطاعات الاقتصادية التاريخية بالمغرب، كهدف أساسي من الأهداف التي تضمنها المحور، بالإضافة إلى تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة والناشئة، وإطلاق عملية للتعبئة الوطنية للشباب العاطل وتشغيله في إطار خدمة مدنية من نوع جديد، هذه العملية ستبنى على التطوع وستدوم 12 شهرا مقابل تعويض، ومساعدة الشباب دون مؤهلات على إيجاد شغل، وأخيرا تضمن المحور تأكيدا على ضرورة ملائمة سياسة الهجرة لبلدنا مع آفاق تطور حاجيات سوق الشغل في المغرب وفي بلدان الاستقبال.
الادماج الاقتصادي في خدمة محاربة الفقر
أما المحور الثالث من مشروع النموذج التعادلي، والذي يتعلق بتحسين الجاذبية والتنافسية الاقتصادية، فقد قدمه مقرر الجنة، الأخ عبد الطيف معزوز. ويروم هذا المحور، تخصص واستقلالية المنتجات والخدمات الاستراتيجية، وتنمية القطاعات العصرية، بالإضافة إلى تنمية مقاولات وطنية كبيرة وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتشغيل الذاتي وإنعاش المناطق الصناعية الكبرى وتطوير المبادرة الحرة، والبحث عن الإنتاجية بمراعاة ضوابط التنمية المستدامة. كما تطرق نفس المحور، إلى نقطة مهمة وهي ربط المغرب بالأسواق العالمية عبر شركة ناجعة ومتعددة الأنماط، دون إغفال تحسين التنقل الحضري.
تنمية الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر
وأضاف الأخ عبد الطيف معزوز، خلال عرضه بالمناسبة، أن المحور الرابع والذي يهم تنمية الطبقة الوسطى ومحاربة الفقر، هو من بين أهم المحاور التي ينبني عليها البرنامج الجديد، الذي جاء فيه الحث أولا على تحديد وتعريف عتبة الفقر كأساس لمعرفة الحاجيات المعيشية للساكنة المغربية وتمكينها من ولوج الخدمات الاجتماعية الأساسية. فضلا عن إحداث منظومة معلوماتية موثوق بها حول مداخيل وممتلكات المواطنين والأسر، تمكن من الاستهداف الاجتماعي الفعال، والارتقاء بتقوية الطبقة الوسطى إلى أولوية وطنية وتتبع تحقيق هذا الهدف بانتظام، وستستهدف هذه السياسة جعل 80 في المائة من المواطنين ينتمون للطبقة الوسطى.
وفي نفس المحور أكد الأخ معزوز، على أهمية القيام بتقييم عميق للتدخلات المباشرة لمحاربة الفقر وعقلنتها وتنويع المصاعد الاجتماعية لتحسين درجة الاندماج الاجتماعي، وجعل الصناعة التقليدية المبنية على الخصوصيات المحلية، قطاعا نموذجيا لتنمية الأنشطة المدرة للدخل و المقاولات الذاتية في الجماعات و الجهات، بالإضافة لتدارك الشق المتعلق بالزراعة التضامنية لمخطط المغرب الأخضر، ووضع مخطط وطني لتنمية الجمعيات ذات النفع العام والتعاونيات مع تشجيع الابتكار الاجتماعي واعتماد مسالك التكوين الملائمة، كما أعطى هذا المحور أهمية كبيرة لإدماج الأشخاص دوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والحياة العملية، والعناية بالأشخاص المسنين والمتقاعدين.
مشروع طموح لخدمة المغاربة..
وعاد الأخ غلاب لتقديم، المحورين الخامس والسادس مع الخلاصات، حيث يرتكز المحور الخامس على معطى ذي أهمية بالغة وهو الانخراط الإرادي في الثورات التكنلوجية، من خلال إعداد وتطبيق استراتيجية وطنية لتموقع تفاعلي لبلادنا اتجاه التحولات التكنولوجية، إضافة إلى مضاعفة المجهود الوطني بثلاث مرات في مجال البحث والتنمية ليصل إلى 2,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتنظيم البحث بطريقة أكثر عمقا وتوفير الكفاءات من المستوى العالي في مجال البحث التكنولوجي في الميادين المختارة.
تأهيل المقومات الأساسية للتنمية البشرية
في حين يتعلق المحور السادس كما قدمه الأخ غلاب، بتأهيل المقومات الأساسية للتنمية البشرية: التربية والمساواة والصحة وحماية البيئة.. وذلك من خلال استعادة الدور الريادي للمدرسة والجامعة العموميتين سواء على مستوى الكم والجودة، إضافة إلى إصلاح التنظيم العام لمنظومة التعليم، وإعادة النظر في المناهج البيداغوجية وتعزيز وتقوية التعليم الأولي كمكون أساسي لمنظومة التعليم. وبالنسبة للصحة فقد أكد المشروع على إصلاح عام لمنظومتها وهيكلتها بالفصل بين دوري الفاعل في تقديم الخدمات الصحية والضابط له وتطوير آليات الضبط والتقنين التي تهم مختلف المتدخلين، ووضع نظام إداري فعال لهياكل تسيير الفاعلين في قطاع الصحة. وتطرق المحور أيضا للمساواة بين الجنسين وحماية البيئة.
في خلاصة مشروع النموذج التعادلي للتنمية البشرية المستدامة، التي قدمها الأخ كريم غلاب أيضا، تم التأكيد على أن هذا المشروع هو عبارة عن مساهمة لحزب الاستقلال في النقاش الموسع الذي دعا له جلالة الملك بتقديم بديل للنموذج الحالي، وهو مبني على ثوابت الأمة كما جاء بها الدستور المغربي، ومتشبع بالفكر الاستقلالي المتجدد، وغني بتجارب الحزب في تسيير الشأن العام، مضيفا أن المشروع مبني على رؤية تضع كرامة المواطن المغربي وإسعاده في صلب اهتماماته ومقدمة أهدافه الآنية والمستقبلة، بالإضافة لكونه قاعدة لتعميق نقاش موسع للحصول على وثيقة تفاعلية، قابلة للتحيين، تشكل مرجعية في برامج و خطط عمل الحزب للعشر سنوات المقبلة.
مناقشة مستفيضة لمضامين المشروع
وقد تلت عملية تقديم المشروع مناقشة مستفيضة لمضامين المشروع من لدن الحضور، والتي انصبت في جزئها الأكبر على التنويه بعمل اللجنة، إلى جانب مجموعة من الملاحظات التي تفاعل معها الإخوة الأمين العام ورئيس اللجنة ومقررها. من أمثلة ما جاء في المداخلات هناك الدعوة إلى لتسويق الإعلامي لهذا المجهود والتعريف به لدى المواطنين المغاربة، وتحسين الجاذبية في مجال الحرف التقليدية، الدعة إلى إغناء مسودة المشروع بمعطيات رقمية، الحث على النهوض بالبحث العلمي والرياضة، وإيلاء السياسات الحضرية مكانتها، التركيز على القطائع والتغيرات الجذرية في المجتمع من خلال التزامات وتعاقدات تجعل المواطن في أولويات اهتمامها.