وأوضح الأخ الأمين العام أن احتفال هذه السنة يأتي بعد مضي أربعُ وسبعون سنةً على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وثلاثون سنةً على إقرارِها عيدا وطنيا من قبل المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث أن فلسفتَها والمبادئَ التي تنتصرُ لها، تبقى حاضرةً قويةً تَعْبُرُ العُقودَ والأجيال من خلال مضمونها الحماسي والتحرري، مؤكدا على وجوب استحضار أن حزب الاستقلال ظل دائما حزبَ الحُلمِ الممكن، والأهداف الكبرى، والقضايا المثلى؛ بحيث كان الفكرُ والإبداعُ والثقافة والمعرفة هي الدعامات التي يرتكز عليها في مختلف المعارك والنضالات التي خاضها، بدءا من معركة الاستقلال، ومعركة الملكية الدستورية، ومعركة الديمقراطية بمختلف مستوياتها، ومعركة الوحدة الترابية، ومعركة حقوق الإنسان بأجيالها المختلفة، ومعركة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تأسست ملامحه الكبرى في مشروع “النقد الذاتي”، وفي ميثاق التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، للزعيم والمفكر الأستاذ علال الفاسي رحمه الله.
وقال الأستاذ نزار بركة، إنه وفاءً للروح الإصلاحية المتجددة التي تحملها وثيقة المطالبة بالاستقلال، فالدعوة موجهة للجميع، كفاعلين سياسيين وقوى حية من مختلف الأطياف، إلى القيام بوقفة استراتيجية وطنية ذكية لتحقيق الكثير من المكتسبات والتصدي لمختلف التحديات التي تواجه بلدنا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع ترصيد ما تحقق من مكتسبات ومنجزات، ولا سيما منذ العقدين الأخيرين، وما عرفته بلادنا من مصالحات وانتقالات هيكلية بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
وشدد الأخ الأمين العام على ضرورة جعل 2018، سنةً لاستعادة زمام الفعل الاستراتيجي، وسنة للقطيعة مع الانتظارية والارتجال والتردد، للتصدي لمختلف الاكراهات والمشاكل التي تواجه المجتمع المغربي، ومنها تلاشي المشروعيةُ الديمقراطية للانتخابات، واتساع الهوة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني المنظم، والتراجع المستمر في محتوى النمو من التشغيل، وتنامي ظاهرة «شباب بدون تكوين ولا شغل»، واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية في الولوج إلى عدد من الحقوق والخدمات، وضعف وتراجع مشاركة المرأة في الساكنة النشيطة وفي الاقتصاد الوطني، وتقهقر الطبقة الوسطى نحو وضعية الهشاشة.
كما أكد الأخ نزار بركة على ضرورة تعبئة الإرادة الوطنية من أجل القيام بالإصلاحات، والانتقال إلى جيلٍ جديد لإصلاحات أكثر نجاعةً، والقادرة على مواجهة التحديات ومواكبة التطلعات التي يزدادُ سقفُها ارتفاعا، معتبرا أن حزب الاستقلال اليوم، وكما كان دائما يضعُ مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ويحدوه العزم الذي يتقاسمُه مع القوى الوطنية والديمقراطية وكلِّ القوى الحية، من أجل الانخراط الإيجابي والخلاق في النفس الإصلاحي الجديد الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، في تجاوب مع حاجيات وانتظارات المواطنات والمواطنين، وفي انسجام مع الأفق الديمقراطي والحقوقي والمواطناتي الذي أتى به دستور 2011، لا سيما فيما يتعلق بالأوراش الاستراتيجية الجديدة، من قبيل إرساء نموذج تنموي جديد يُمَكّنُ من تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وإعمال آليات الحكامة الجيدة في الإعداد والتنفيذ والتتبع والتقييم، وتمتيع المجال الترابي بسلطة القرار التنموي في خدمة حاجيات القرب والخدمات الأساسية للساكنة المحلية، وجعل الشباب محركا للتنمية والابتكار، من خلال وضع وتفعيل سياسة عمومية مندمجة قادرة على توفير التكوين والشغل والإدماج لهذه الفئة الحيوية.
و دعا الأخ الأمين العام إلى استحضار الانجازات التي عرفتها بلادنا من مصالحات مجتمعية وانتقالات هيكلية خلال السنوات الماضية، مشددا على ضرورة إبرام تعاقدات مجتمعية كبرى حول مسالك وأوراش الإصلاح الجديدة، بانخراط كل الأطراف المؤسساتية والسياسية والاجتماعية والفعاليات الاقتصادية والمدنية، والقوى الحية، بهدف صياغة التوافقات اللازمة حول القضايا والاختيارات ذات الأولوية، ومنها النموذج التنموي الجديد، وتفعيل الجهوية المتقدمة، ومحاربة الفساد بمختلف أشكاله، والتوزيع العادل والمنصف للثروة..
وأبرز الأستاذ نزار بركة أن حزب الاستقلال لن يتوانى في استثمار رصيده الفكري، ومرجعيته التعادلية، وتجربته التي راكمها في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي، وخبرتِه في تيسير الحوار والتوافقات الرامية إلى بلورة الاختيارات والتصورات والبرامج والبدائل التي تَصُبُّ جميعُها في خدمة المواطن، وتحسين مستوى عيش الفئات المعوزة والهشة.
وأوضح الأمين العام لحزب الاستقلال أنه حتى تكون 2018 سنةَ الوقفة الاستراتيجية الذكية، وسنة التحول نحو النموذج التنموي الجديد الذي تتطلع إليه المواطنات والمواطنون، من الضروري الإسراع بفتح واستكمال الأوراش التي تهم إطلاق “عملية إنعاشية” قوية لسوق الشغل تراهن على إحداث ما لا يقل عن 150 ألف فرصة شغل صافية سنويا لفائدة الشباب خاصة عبر، وضع وتنفيذ برنامج استعجالي للمشاريع الصغرى ووضع وتنفيذ برنامج وطني استعجالي لتدارك الخصاص في العالم القروي والمناطق المعزولة والجبلية والمجال الحدودي، ووضع سياسة إرادية لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وضمان تكافؤ الفرص والمساواة وفعلية الولوج إلى الخدمات الأساسية، وتوجيه كل الامتيازات والاستثناءات والتحفيزات الجبائية والاجتماعية ومختلف آليات دعم المقاولة والقطاع الخاص، نحو التشجيع على إحداث فرص الشغل لفائدة الشباب، وإعادة توزيع الثروة بإنصاف الفئات الفقيرة والهشة عبر العدالة الضريبية وآليات التضامن والحماية الاجتماعية..
وأكد الأخ نزار بركة أنه لا تنمية بدون تشغيل، ولا ارتقاء اجتماعي بدون شغل لائق ودخل قار يضمن التمكين للنساء، وينتشل الشباب من مخاطر البطالة والانهزامية والعدمية، ولا سلمَ اجتماعي دون المضي في تنفيذ سياسة إرادية ناجعة للحدَّ من الفوارق الاجتماعية والمجالية والترابية، مشدد على جعل النموذج التنموي الجديد وغيرِه من الاختيارات الاستراتيجية التي تمضي فيها بلادنا، في صلب التعاقدات المجتمعية الكبرى، داعيا الجميع إلى العمل من أجل استعادة ثقة المواطنين والفاعلين في مصداقية الممارسة السياسية، والوساطةَ الحزبية والسياسية لأدوارها في تمثيل وتأطير وتوجيه المواطن.