أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية،لأذكر أولا بأن مراجعة الاتفاقية موضوع الدراسة، تأتي في سياق وطني ودولي يشهدان فتح الحوار حول ظاهرة الهجرة،لاسيما وأن المغرب أصبح رائدا للاتحاد الأفريقي في موضوع الهجرة، ويساهم بشكل كبير في تعزيز وتطوير الحوار من أجل إيجاد حلول للمهاجرين عبر العالم، وذلك من خلال تنظيمه لعدد من اللقاءات الدولية المهتمة بالموضوع، كان أخرها ذلك المنظم بشراكة مع لجنة الهجرة واللاجئين والنازحين بالجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا، والذي تم فيه تبادل وجهات النظر بخصوص وضعية المهاجرين في العالم، وتدارس مقاربات إدماجهم داخل دول المهجر،… إلا أن المفارقة التي تبعث على الأسف، هي تلك المرتبطة بظروف مراجعة هذه الاتفاقية في هذا الوقت بالذات…
وذلك بالنظر إلى عمر هذه الاتفاقية الذي تجاوز 46 سنة، بما يؤكد تواجد الجالية المغربية بالديار الهولندية لأكثر من 4 عقود، و يترجم في نفس الوقت مدى انتفاع الدولة الهولندية من مجهوذات أجيال من جاليتنا، ومساهمتها في تحقيق التنمية التي تشهدها الآن .
هذه المجهودات المبذولة طيلة هذه السنوات، لم تعد ذات قيمة بالنسبة للدولة الهولندية، تحت ذريعة وجود أزمة اقتصادية داخلية، الأمر الذي يدفعها إلى إعطاء أولوية لمراجعتها لنفقاتها، وتدبير أزمتها بمنطق–مع الأسف- يتنافى والأعراف الدولية والقوانين الضامنة لحقوق الإنسان، وخصوصا“الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم”….، المنصوص عليها من قبل اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، كما يسير أيضا عكس الإستراتيجية العالمية التي تتجه في منحى إحداث ميثاق عالمي للمهاجرين،الذي اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة المغرب لاستضافة مؤتمر عالمي يتم خلاله اعتماد “الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة”.
إلا أن تجب الإشارة إلى أن هناك أسباب أخرى أكثر موضوعية تقتضي منا الظرفية الراهنة استحضارها :
أولا: تصاعد المد المتطرف في السنوات الأخيرة
ثانيا: تذبذب العلاقات السياسية بين المغرب وهولندا
ثالثا: التعاطي البارد للحكومة المغربية مع هذا الملف في بدايته، والذي لم يكن يعكس أنها تحمله على محمل من الجد…حيث يرجع الفضل في الدفاع عن مكتسبات ومصالح أفراد جاليتنا بهولندا إلى جمعيات المجتمع المدني التي تحركت بشكل كبير وأثمر هذا التحرك إنصافها قضائيا، الأمر الذي سهل على الحكومة عملها وبالتالي أعد لها الأرضية الخصبة للمفاوضات مع نظيرتها الهولندية بشأن مراجعة هذه الاتفاقية، بعدما قررت هذه الأخيرة إلغاءها نهائيا وضرب كل مكتسبات ومصالح الجالية المغربية عرض الحائط،……
…فتحية لأبناء جاليتنا بهذه البلاد، على دورهم المهم في إطار دبلوماسية المجتمع المدني، التي بدأ يشهد لها بالقدرة على التأثير في اتخاذ القرار الهولندي من جهة، و بالدعم للدبلوماسية الرسمية التي تمهد لها الطريق في إجراء مفاوضات يكون فيها الطرفان على درجة واحدة من الحوار والإقناع من جهة ثانية.
نصادق اليوم على هذه الاتفاقية في الوقت الذي أخذت فيه قضية الهجرة في المنتظم الدولي منعطفا ايجابيا،والتي تجعلنا اكتر اقتناعا بأن التوجه الجديد الذي ستتخذه الاتفاقية المعنية، سيقتضي منا مواصلة الحوار مع أبناء جاليتنا بهولندا،بشأن الانعكاسات الجديدة لهذه المراجعة، والنظر فيما بعد في إمكانية مراجعتها مرة أخرى بما يحافظ على مصالح جاليتنا التي تستحق كل الرعاية والتقدير.
نحن اليوم مدعوون جميعا حكومة و برلمانا و أحزابا سياسية و مؤسسات المجتمع المدني، الحرص أكثر من تبعات هذه المراجعة، التي قد تجد فيها حكومات دول المهجر فرصة لمعاودة النظر في الاتفاقيات المماثلة ….فالمرجو تكثيف الجهود للحفاظ على مكتسبات مغاربة العالم، فلم يعد منطق الصمت عن إثارة مثل هذه القضايا،الذي تعتمده بعض القطاعات الحكومية المعنية يجدي نفعا.
ولذلك، على الحكومة أن تضع سياسة خارجية واضحة ومنسجمة بين مختلف الفاعلين انطلاقا من رؤية جلالة الملك تجاه موضوع الهجرة التي نشهد في الفريق الاستقلالي بمقاربتها المتميزة في تدبير هذا الملف.
وإذ نعلن في نهاية هذا التدخل على موافقة الفريق على هذه الاتفاقية، على أن نواكب انعكاساتها على أفراد جاليتنا بهولندا بعد دخولها حيز التنفيذ، وترك المجال مفتوحا لتدارس تجلياتها وتبعاتها، من خلال الحوار المتواصل مع أبناء جاليتنا وخصوصا مع هؤلاء الذين يتقلدون مسؤوليات في تدبير الشأن المحلي والوطني الهولندي.