تدخلت الأخت رفيعة المنصوري عضوة الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، يوم الأربعاء 14 نونبر 2014، خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية 2019،حيث أخضعت المضامين ذات البعد الاقتصادي والمالي للتشريح والتحليل. في يلي النص الكامل للتدخل:
عطفا على ما تفضل به الأخ رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، اسمحوا لي أن أتناول الكلمة باسم الفريق الاستقلالي، لتناول الشق الاقتصادي والمالي لمشروع قانون المالية 2019، وهو المشروع الذي يأتي في ظل سياق دولي مطبوع بالتوتر وعودة الحمائية التجارية، فضلا عن سياق وطني عنوانه أزمة الثقة، وتصاعد الطلب الاجتماعي، وضعف استباقية الحكومة، وانتظاريتها الغريبة، وهي أزمة مركبة ونسقية، مبتدأها اقتصادي وتداعياتها اجتماعية وسياسية.
وإيمانا منا أن المصلحة الفضلى للوطن، تقتضي أن يكون البرلمان، الفضاء الأنسب لاحتضان النقاش الصريح والموضوعي حول كل القضايا، وبعيدا تماما عن منطق التيئيس، فإنه يهمنا في الفريق الاستقلالي، ومن موقع المعارضة الوطنية، أن نعبر للحكومة عن موقفنا الصريح من مشروع قانون المالية 2019.
قلق بليغ بشأن هشاشة الفرضيات
إن السياسة المالية والاقتصادية للحكومة والتي تقوم بها عبر قوانين المالية السنوية، ينبغي دائما أن تكون جوابا دقيقا على المطالب المجتمعية الملحة عبر أولويات واضحة، تترجمها ببرامج ومشاريع محددة في الزمان والمكان وباعتمادات تعكس شعاراتها أو ما يسمى بأولوياتها.
وسنناقشكم اليوم، اعتمادا على جملة الأرقام التي تقدمت بها الحكومة في هذا المشروع ، في تفاعل مع ما يتوفر للفريق الاستقلالي من أرقام ومعطيات دقيقة حول الظرفية الاقتصادية والاجتماعية.
فعلى مستوى الفرضيات التي بنت عليها الحكومة هذا المشروع، يهمنا أن نعبر في الفريق الاستقلالي عن قلقنا البليغ من هشاشتها:
سنة مالية واقتصادية متعثرة وغير طموحة
يأتي هذا الاعتراف الضمني بسنة مالية واقتصادية متعثرة وغير طموحة، (توقع نسبة نمو 3.2 في المئة في أحسن الأحوال) في الوقت الذي يعرف العالم عودة ملموسة نحو الدينامية بمعدل عالمي للنمو ب 3.7، فيما يتوقع صندوق النقد الولي أن تحقق الدول النامية متوسطا عالميا للنمو يقدر ب 4.4 في المئة، وهو ما يعني أننا دون مستوى المتوسط العالمي بكثير، فكيف ترددون أننا لا نعيش أزمة اقتصادية حقيقية.
إن بناء الثقة، كمدخل معنوي هام لمعالجة المطالب الاجتماعية الملحة، وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني، تنطلق أساسا من ضمان شفافية المالية العمومية، وهو هدف لن يتحقق إلا بالصراحة والواقعية التي تبني الأمل، فلا يكفي أن ننكر الأزمة حتى نتجاوزها، بل ينبغي مواجهتها بالمسؤولية والشجاعة الكاملة، كل من موقعه، حتى نتمك من وضع اليد على الأعطاب الحقيقية ومعالجتها.
تراجع نسبة تطور الاستثمار الخارجي ببلادنا
إن الوضعية دقيقة، لكن تجاوزها ليس مستحيلا، فبالرغم من المؤهلات الكبيرة التي يتوفر عليها وطننا وعلى رأسها الاستقرار السياسي الكبير، فإن الواقع يوكد أن إكراهات حقيقية تواجهنا:
أولا: تراجع نسبة تطور الاستثمار الخارجي ببلادنا، بنسبة تفوق 20 في المئة، بما يشكله الأمر من خطورة كبيرة على الاقتصاد الوطني.
ثانيا: تفاقم أزمة المقاولة المغربية وتسجيل إغلاق أكثر 8000 مقاولة في سنة واحدة، إضافة إلى تراجع نسب إنشاء المقاولات، حيث أن دراسة أنجزت على مستوى جهة الدار البيضاء الكبرة، تؤكد أنه من أصل 64000 مقاولة مسجلة بين سنتي 2003 و 2015، لم يتبقى منها إلا 6 في المئة بعد 10 سنوات، علما ان 5 في المئة منها، سبق وأن استفادوا من برامج الدعم العمومي.
ثالثا: الارتفاع الكبير في أعداد العاطلين عن العمل حيث تشير اخر احصائيات المندوبية للتخطيط عن وجود أكثر من مليون و272 ألف عاطل عن العمل، حيث وصلت نسبة البطالة إلى 10.8 في المئة، والأخطر وصول هذه النسبة إلى 45 في المئة في صفوف الشباب (هادشي اللي قالت الحكومة منذ 7 سنوات جات باش تصلحو).
رابعا: الاستمرار في نهج سياسة الإعفاءات الضريبية لقطاعات معينة دون تقييم لمردوديتها وهنا يجب أن نسجل أن الإجراءات الضريبية التي تقدم عليها الحكومة كل سنة يطبعها الارتباك ولا تحقق الاستقرار الضريبي، لذا نأمل أن تكون المناظرة الوطنية للضرائب والتي وعدت بها الحكومة، أن تأتي بتصور سياسي للضرائب يحقق العدالة الضريبية بين جميع شرائح المجتمع تفعيلا للفصل 39 من الدستور بدل المعاندة في الاستمرار في تضريب الطبقة المتوسطة. علما انه الطبقة المتوسطة هي صمام أمان المجتمع، (كل واحد خدام كيصرف على عائلة أو اثنين).
خامسا: عودة نسبة عجز الميزانية نحو المنحى التصاعدي، حيث تتوقع الحكومة أن تتجاوز هذه النسبة 3.8 في المئة سنة 2018، عوض 3 في المئة التي كانت تتوقعها، وخاصة ما تعلق ب بالتنقيط السيادي للمغرب مما سيزيد من نسب الفائدة على القروض، إضافة الى وصول المديونية الى نسبة 91 في المئة من الناتج الداخلي وهو ما يهدد استقلال القرار المالي للدولة، في مقابل ضعف مردودية الاستثمارات العمومية الموجهة اليها.
سادسا: استمرار تفاقم العجز التجاري بفعل فشل سياسة الحكومة في مجال إنعاش التصدير، وغياب أي رؤية واضحة في مجال استغلال اتفاقيات التبدل الحر التي تربطنا مع عدد من الدول، التي تتوفر على أسواق كبيرة، وعدم تمكن الحكومة من الاستثمار الأمثل للانفتاح السياسي الكبير للمملكة على إفريقيا، بفضل جلالة الملك، إضافة إلى تناقص احتياطي العملة الصعبة إلى 5 أشهر بدل ستة أشهر السنة الماضية.
سابعا: انحسار مردودية القطاع السياحي بفعل تغييب هذا القطاع عن أولويات الحكومة منذ 7 سنوات.
ثامنا: استمرار تدهور حكامة المقاولات والمؤسسات العمومية، مما سيؤثر سلبا على مردوديتها، وبالتالي مساهمتها في المالية العامة.
تاسعا: استنفاذ منحة دول الخليج التي كانت تدر على خزينة الدولة ما متوسطه 9 مليار درهم سنويا، والذي استعملته الحكومة لسد العجز الهيكلي للميزانية|، وهو ما اضطر الحكومة لخوصصة عدد من المقاولات العمومية. (كأننا نبيع من أجزاء بيتنا لنأكل).
عاشرا: ركود تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والتي لم تتجاوز سقف 50 مليار درهم في السنتين المالتين 2017و 2018.
حادي عشر: استمرار تدهور القدرة الشرائية للمواطنين في ظل تجميد الأجور منذ 2012، ( اخر زيادة مع السي عباس الفاسي) في مقابل فشل الحوار الاجتماعي بفعل العرض الهزيل للحكومة وعدم جديتها، رغم التوجيهات الملكية السامية.
ثاني عشر: نسبة الإنجاز الضعيفة، في تنفيذ الميزانية خاصة على مستوى ميزانية الاستثمار,
ثالث عشر: ضعف نجاعة الاختيارات الاقتصادية الكبرى للحكومة، وتراجع نسبة الاستثمار العمومي من مجموع الناتج الداخلي الإجمالي، 35.5 بالمئة بين 2007/2012 (حكومة عباس الفاسي) الى 32.5 من الناتج الداخلي الإجمالي متوقعة سنة 2019. وهو ما يعني ازدياد في نسبة التسيير، رغم وجود أزمة حقيقية.
تدخلات الحكومة تبصم على انتظارية غريبة
لقد حدد مشروع قانون المالية 2019، عددا من الأولويات التي سميتموها في عرضكم بالإكراهات، وهي في الحقيقة أسئلة مجتمعية مقلقة وجب على الحكومة التفاعل معها باستباقية وبرؤية استراتيجية، لكن للأسف فإن مختلف تدخلات الحكومة تبصم على انتظارية غريبة، وهو الأمر الذي جعل جلالة الملك يتدخل مرارا لإعادة توجيه أولويات الحكومة، وإلزامها بالتحرك وفق أجندة زمنية محددة، وهو دليل واضح على وجود خلل ما، في بنية وانسجام فريقكم الحكومي، وهو أمر ليس بخفي على أحد، ويهمنا أيضا هنا أن نوضح ما يلي:
لكل هذه الأسباب الموضوعية، ومساهمة منا في مواجهة هذه الوضعية الدقيقة، فقد عملنا على تقديم مجموعة من التعديلات المهمة، التي حاولنا من خلالها محاولة توفير أجوبة على كثير من المطالب الاجتماعية، لكن بكل أسف قوبلت كثير جدا منها بالرفض الحكومي، وهو ما يدفعنا لنقول لكم اليوم، بوطنية صادقة، أن استعادة الثقة يمر حصرا عبر عدد من المداخل:
وفي الأخير اللهم إني قد نصحت، اللهم فاشهد.