يضم التعليم العالي الجامعي بالمغرب 12 جامعة بها 126 مؤسسة، وتصنف المؤسسات الجامعية إلى صنفين: مؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، وهي كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وكليات الآداب والعلوم الإنسانية؛ وكليات العلوم؛ والكليات متعددة التخصصات؛ وكليات الشريعة واللغة العربية وأصول الدين، والعلوم الشرعية. والصنف الثاني مؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، هي كليات الطب والصيدلة؛ وكليتي طب الأسنان؛ ومدارس المهندسين؛ وكليات العلوم والتقنيات؛ والمدارس الوطنية للتجارة والتسيير؛ والمدارس الوطنية للعلوم التطبيقية؛ والمدارس العليا للأساتذة؛ والمدارس العليا للأساتذة ـ التعليم التقني؛ والمدارس العليا للتكنولوجيا؛ ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة؛ وكلية علوم التربية. وحسب الإحصائيات الرسمية للسنة الماضية، فقد وصل عدد الطلبة في هذه المؤسسات 512 ألف و 630 طالبة وطالب، يؤطرهم 14 ألف 400 أستاذة وأستاذ.
السؤال المركزي، هل هذه المؤسسات الجامعية المتوفرة تلعب دورها كاملا، وما الغرض من الحديث عن جامعة الغد وهل هذا النقاش يفرض نفسه الآن، وما السبيل لتكوين أجيال المستقبل، وماذا نعني بجامعة 4.0، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل وعن قضية التمكين أيضا؟ هذا ما يكشف عنه الخبير في قضايا التربية، عبد اللطيف ميراوي في المحاضرة التي ألقاها في مؤسسة علال الفاسي.
إعداد: عزيز اجهبلي
عبد اللطيف ميراوي الخبير في قضايا التربية، والذي كان يحاضر في ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي يوم الجمعة 4 أكتوبر الجاري، حول: "جامعة الغد: كيف نكون أجيال المستقبل ونحو جامعة المعرفة والتمكين»، قال، إن الجامعة المغربية لابد لها اليوم أن تواجه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في المجتمع بالإضافة إلى التطورات التي تحدث في مجال التكنولوجيا والرقمنة، موضحا أن الجامعة تفرض اليوم نوعا من المعرفة الخاصة بما سماه هذا الخبير بالتمكين.
وأضاف ميراوي، الرئيس السابق لجامعة القاضي عياض بمراكش، أن أفضل ما نقدمه للطلبة والتلاميذ هو ميزة «التمكين»، وأن التربية والتعليم لا يجب أن يقتصر على حفظ الدروس عن ظهر قلب، ولكن لابد لمضامين هذه التربية أن تجيب عن المشاكل المطروحة، وأن الدول الناجحة في هذا الصدد، هي الدول التي تتوفر على شباب متمكن.
وتساءل الخبير التربوي، لماذا الحديث عن (جامعة 4.0)، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل، ولماذا الحديث عن التمكين؟ وقال، إن الاجابات عن هذه الأسئلة يتطلب النظر إلى السياقات الدولية والسياقات الوطنية، لأن السياق الدولي يتميز بالعولمة والثورة التكنولوجية، أما السياق الوطني، فإنه يتميز بتفاوتات اجتماعية، أصبحت في صلب التفكير من أجل نموذج تنموي جديد.
وتحدث عن الشركات الاقتصادية الكبرى التي تستثمر في المغرب، موضحا أن هذه الشركات تراهن على الشباب المتمكن، والذي يتفاعل مع الطرق الحديثة. وقال إن ثورة (4.0) كشفت عن أشياء جديدة مثل «الروبورتات»، وأن العالم لم يعد يقيس التطور التكنولوجي بالعشر أو العشرين سنة، وإنما بالنسبة الواحدة.
أفاد أن رئيس شركة كبيرة، أخبره يوما بأن شركته كانت تقدم خدماتها في غضون خمس سنوات، لكن اليوم بدأت هذه الشركة تنهي أعمالها للزبناء في سنة واحدة، وهذا يدل على التغيير، الذي حدث في هذا المجال، فالملاحظ أن الشركات حاليا لا تقبل إلا اليد العاملة الكفأة والمتمكنة، على أنها تستفيد من خريجي الجامعات منذ اليوم الأول.
وقارن بين الشركات العملاقة حاليا في العالم بالشركات التي كانت إلى عهد قريب عملاقة، وأوضح أن الشركات الكبيرة والعملاقة اليوم هي الشركات التي تعتمد في خدماتها على الرقمنة وعلى التكنولوجية الحديثة.
وذكر أنه سبقت له لقاءات مع رؤساء شركات، وكان هؤلاء الرؤساء يلاحظون عدم توفر الطلبة خريجي الجامعات على كفاءات تخول لهم المساهمة وتطوير هذه الشركات. وأضاف أن المدرسة أو الجامعة المغربيتين لا يلقنان مبدأ الشك للمتعلمين، معتبرا أنه مبدأ هام من أجل طرح كل الاحتمالات بهدف النجاح في آخر المطاف.
وتحدث عن الذين يقارنون بين أوضاع الأجيال الماضية والأجيال الجديدة، واعتبر أن الأطفال الآن يتميزون بمهارات أخرى غير تلك التي كان آباؤهم يمتلكونها، ويجب الآن أخذ بعين الاعتبار مميزات الأجيال الحالية، وقال إن الجامعة تعاني من مشكل يتعلق بالتنقيط في الامتحانات ولم يعد أسلوب هذا التنقيط ناجعا، ولابد من معرفة مستوى نمو التلميذ بل اعتماد طريقة تقليدية في التقسيم.
وناقش ميراوي جامعة الغد وكيف نكون أجيال المستقبل نحو جامعة 4.0 من خلال الاجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية، لماذا الحديث عن جامعة من هذا النوع، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل ولماذا أيضا الحديث عن التمكين؟ وأن الحديث عن هذا الموضوع، يقود إلى مقاربة عبر السياق الدولي الذي يتميز بالعولمة وبثورة تكنولوجية سريعة، وسياق وطني يتميز بالعديد من العناصر الواردة في الخطب الملكية على أن المغرب يعيش لحظة انتقالية في مسار تطوره.
وقف الخبير في مجال التربية عند الدعوة الملكية إلى التفكير الجماعي في النموذج التنموي الجديد من خلال الخطب الملكية خاصة في دورة افتتاح السنة التشريعية (2018-2017 ) ، حيث قال جلالته: «إذا كان المغرب قد حدد تقدما ملموسا يشهد به العالم، فإن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية». ومن خلال أيضا خطاب العرش 30 يوليوز 2019 : «لقد أبان النموذج التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية ومن التفاوتات المجالية وهو ما دفعنا للدعوة لمراجعته وتحسينه".
وأكد أن الجامعة لم تتوقف أبدا عن التطور، وأن جامعة 4.0 تتميز بتغيير التحديات الحالية إلى فرص، متسائلا عن كيفية تكوين جيل الثورة الصناعية الرابعة وعن الكفاءات المنتظرة لسنة 2030 ، على أن يتم جعل الجامعة منفتحة وموصولة من أجل نموذج «الجامعة الذكية» وجامعة مسؤولة اجتماعيا من أجل مجتمع دامج، وأن العلوم الانسانية والاجتماعية لها مكانة مركزية بجامعة 4.0 وفرصة من أجل تكافؤ الفرص. وذكر أن أغلب الأنشطة القطاعية والبلدان والتخصصات والمهن المطلوبة اليوم كانت لمدة عشر سنوات، إلى خمس سنوات حسب الملتقى الاقتصادي العالمي.
وأوضح، أن 85% من المهن في 2030 لم يتم ابتكارها بعد و65% من الأطفال الذي يلجون الابتدائي اليوم يشغلون مهن معروفة. وأن الجامعة لم تتوقف أبدا عن القيم التعليمية مما يمهد للثورة الصناعية الرابعة وما بعدها.
وفسر كيف تحول جامعة 4.0 التحديات إلى فرص، وأن هذا التغيير يهدف إلى تشغيل الحاصلين على الشواهد، ومن أجل تحديث مهامها الأساسية ومن أجل توقع الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8,5 مليار بحلول 2030 ، أي ما يقارب من مليار شخص مقارنة بعام 2018 مع تركيز عال في إفريقيا وآسيا وأن عدد الطلبة يرتفع بسرعة خاصة بأفريقيا وذلك بنسبة مزدوجة ما بين 2020 و2030
.
وأكد المحاضر على تنويع مصادر تعلم المهارات الأفقية عبر تشجيع التعلم عن طريق التطبيق وخلق محيط سليم وأمن للنمو، إعطاء وقت الاعتراف المناسب، وتمكين الأشخاص من الاستثمار في المؤهلات الشخصية ومواجهات التحديات وتشجيع الاهتمام المتبادل ووضع أهداف واضحة من أجل اكتساب مهارات محددة واعتماد مقاربات براغماتية بالإضافة إلى تشجيع الحس التساؤلي عند التلميذ والطالب، واعطاء الاستقلالية في الاختيار وتقوية القدرة التركيبية والقدرة على استخلاص التناقضات، وتقوية الاحترام والتسامح مع الآخر، وتشجيع الاحساس بالآخر وتقوية المعرفة بالذات وتقوية القدرة على تدبير المشاعر والموازنة بين المرونة والصلابة، والقدرة على التفاوض والتأثير واعطاء الحق في الخطأ واقتراح مشاريع ملتزمة على المدى البعيد وبناء الثقة والقدرة على النجاح واعطاء الاستقلالية في اتخاذ القرار، ودعم الاحترام والتعاون وتثمين الروح الإيجابية وتطوير النظرة النسقية للأشياء وتطوير الضمير الجماعي والمجتمعي وخلق محيط متنوع ومشترك وتشجيع الإحساس الايجابي بالآخر وتقوية المعرفة بالذات.
وقال إن هناك صورة ل«ربو» تناقض والوضع السلبي للإرسال القديم، إنها لا تتوافق مع النظام الذي يفرض نمطا من التفكير القائم على الطاعة، وهذا ما يبرهن على أن العلاقة مع المعرفة تختلف، وأن التكنولوجيا هي جزء لا يتجزأ من حياتهم وأن شكل الدرس المرتبط بالزمن والمكان متجاوز بالنسبة للطلبة في الجامعات الحديثة.
وأفاد أن تعليم 4.0 يهدف إلى تحول في "البراديغم"، من خلال اعادة التنظيم الزماني والمكاني للمتتاليات البيداغوجية، ومن أجل بحث اجتماعي ومتعدد الاختصاصات يأخذ بعين الاعتبار البيئة والمحيط السوسيواقتصادي، آخذين في الاعتبار تقوية الابتكار ومن أجل جامعة مواكبة لحاجيات الجميع واستباقية ومندمجة الثقافة والنتائج، وتقوية أماكن اتخاذ القرار.
وتعتبر جامعة 4.0 آلية رقمية قادرة على التغلب على ظاهرة الاكتظاظ، وقادرة على انتاج أنماط جديدة للاشتغال وانتاج سلوكيات جديدة، باعتبارها جامعة رائدة في مجال التكوين الاقتصادي وفي المجال المدني، وتوجد في موقع مثالي من أجل الاجابة عن الاسئلة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية العامة على المستوى المحلي.
وذكر أن العلوم الانسانية والاجتماعية لها مكانة مركزية بجامعة 4.0 من خلال امتلاك الأدوات اللازمة لدمج قابلية التقنيات الجديدة والحفاظ على توازن المجتمعات، وفهم وقائع جديدة من خلال التعددية، وأن العلوم الانسانية والاجتماعية تتموقع بجامعة الغد كعنصر فاعل في الاختيار، قادرة على معالجة القضايا المتعلقة بالمسائل المعقدة التي تفرضها الطفرات. وأن جامعة 4.0 فرصة من أجل كل الفرص سواء على المستوى الاجتماعي اوالتكنولوجي اوعلى مستوى المسؤولية والحكامة.
وقدم لهذه المحاضرة عضو اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي، مبارك ربيع، بكلمة رحب فيها بالحضور، وأوضح أن هذا اللقاء يندرج في إطار البرنامج الثقافي للمؤسسة (2019 .2020)، وقال إن المسألة التعليمية بكافة أبعادها ومستوياتها تمثل الاهتمام الرئيسي، إن لم نقل الهم الشاغل لكل مغربي، مهما كان مستواه، ومهما كان دوره ومهما كانت مسؤوليته ومهامه الخاصة والعامة.
وأضاف ربيع في كلمته، أن النتائج الحالية الملموسة، ممثلة في زبائن ومرتادي المنظومة التعليمية والتربوية، في تزايد على جميع المستويات، فهناك المقبلون الجدد والذين يلجون لأول مرة في حياتهم المدرسة، وهناك ضحايا الهدر المدرسي، وهناك حاملو شهادات متوسطة، وهناك متخرجو معاهد عليا وخريجو جامعات، وكلهم في غالبيتهم يمثلون معضلة حقيقية من جميع النواحي ويمثل عقبة في سبيل الاقلاع التقدمي والاجتماعي والثقافي، الذي ترنو إليه مطامح المغرب والمغاربة، نحو ما يسمى بالتساكنية المطمئنة، او بالسلم الاجتماعي، حيث تلعب المنظومة التربوية دورا كبيرا في تأسيسه، ويمكن تغيير كثير مما يعتبر انحرافات، أو الخط العام الاجتماعي والسياسي والاخلاقي بالعودة إلى المنظومة التربوية، وإن كان هناك شركاء لها لأن السمة التساكنية الاجتماعية لا تكون أبدا مطلقة أو تامة، بل تكون مجالا للوصول إلى ما هو أرقى. ولا يقبل أن تكون كارثية او متدنية على الأقل، ورغم كل هذه المظاهر التي فيها الكثير من السلبيات فلا يمكن أنكار التقدم الحاصل في هذه المنظومة.
إن المنظومة التربوية، عمرت قرنا إلا ربع، وهناك تقدم وإيجابيات لكن هذه الإيجابيات لا تمثل إلا نصف الكأس المجتمعي، إن لم نقل إنها لا تمثل إلا أقليه، خاصة عندما نستحضر ميزانية تناهز 46 مليارا بما يقابل 6,5 % من الناتج الداخلي الخام، وإذا ما قارنا هذا الأمر بفرنسا التي تنفق 6,5 من ناتجها الداخلي الخام، أو كندا التي تنفق أقل من ذلك ب 5,3%.
ومقابل هذا الانفاق الضخم، بالإضافة إلى المجهود الكبير مجهود الدولة والمجتمع والفرد المغربي، هناك تلك السلبيات المعروفة. إلى جانب ذلك هناك التقارير الوطنية والدراسات الأكاديمية وخاصة التقارير الدولية التي تضاعفت، على أن المنظومة التربوية المغربية في تصنيف أدنى من التصنيف التي تحتله المنظومات التربوية في دول افريقيا جنوب الصحراء، وهي دول فقيرة وفيها الكثير من المؤشرات التي تدل على أنها أفقر من المغرب.
ويمكن استحضار مراحل مفصلية في مسار المنظومة التربوية، بالمغرب لكن المتحصل إيجابي الذي لا يمكن إنكاره، نذكر على الأقل مرحلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ومرحلة البرنامج الاستعجالي والمرحلة الحالية للرؤية الاستراتيجية (2015 - 2030)، وهناك جهود تبدل ولكن يبقى الناتج الحقيقي هو زيادة الفوارق الاجتماعية، والاقتصادية والمعرفية في مجتمعنا. حتى أن الكثير من الانعكاسات السلبية في بعض مظاهر السلوك التي تعتبر من قبيل الانحرافات العامة والخاصة في مجتمعنا يمكن تفسيرها في جزء منها إلى المنظومة التربوية بخصوص مفهوم التعميم، ومفهوم الجودة وتكافؤ الفرص والتواؤم مع متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن نطرح سؤالا هامشيا، نتساءل عن المنظومة الاقتصادية المغربية ومكوناتها الوطنية، هل هي مؤهلة لتلعب الدور المنوط بها، في الانفتاح على المنظومة التربوية والتكيف معها سواء في وضعها الحالي أو في وضعها المقبل أم أن المنظومة الاقتصادية الوطنية لها عالمها الخاص في مسعاها للربح والكسب بطريقة أو بأخرى، ويجب استحضار العلاقة بين المنظومة التربوية بكل دقة، وهذا ليس مجالا خاصا أو مخصصا لتحليل المنظومة التربوية ولكن يجب استحضار الإطار العام الذي نناقش في نطاقه.
السؤال المركزي، هل هذه المؤسسات الجامعية المتوفرة تلعب دورها كاملا، وما الغرض من الحديث عن جامعة الغد وهل هذا النقاش يفرض نفسه الآن، وما السبيل لتكوين أجيال المستقبل، وماذا نعني بجامعة 4.0، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل وعن قضية التمكين أيضا؟ هذا ما يكشف عنه الخبير في قضايا التربية، عبد اللطيف ميراوي في المحاضرة التي ألقاها في مؤسسة علال الفاسي.
إعداد: عزيز اجهبلي
عبد اللطيف ميراوي الخبير في قضايا التربية، والذي كان يحاضر في ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي يوم الجمعة 4 أكتوبر الجاري، حول: "جامعة الغد: كيف نكون أجيال المستقبل ونحو جامعة المعرفة والتمكين»، قال، إن الجامعة المغربية لابد لها اليوم أن تواجه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في المجتمع بالإضافة إلى التطورات التي تحدث في مجال التكنولوجيا والرقمنة، موضحا أن الجامعة تفرض اليوم نوعا من المعرفة الخاصة بما سماه هذا الخبير بالتمكين.
وأضاف ميراوي، الرئيس السابق لجامعة القاضي عياض بمراكش، أن أفضل ما نقدمه للطلبة والتلاميذ هو ميزة «التمكين»، وأن التربية والتعليم لا يجب أن يقتصر على حفظ الدروس عن ظهر قلب، ولكن لابد لمضامين هذه التربية أن تجيب عن المشاكل المطروحة، وأن الدول الناجحة في هذا الصدد، هي الدول التي تتوفر على شباب متمكن.
وتساءل الخبير التربوي، لماذا الحديث عن (جامعة 4.0)، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل، ولماذا الحديث عن التمكين؟ وقال، إن الاجابات عن هذه الأسئلة يتطلب النظر إلى السياقات الدولية والسياقات الوطنية، لأن السياق الدولي يتميز بالعولمة والثورة التكنولوجية، أما السياق الوطني، فإنه يتميز بتفاوتات اجتماعية، أصبحت في صلب التفكير من أجل نموذج تنموي جديد.
وتحدث عن الشركات الاقتصادية الكبرى التي تستثمر في المغرب، موضحا أن هذه الشركات تراهن على الشباب المتمكن، والذي يتفاعل مع الطرق الحديثة. وقال إن ثورة (4.0) كشفت عن أشياء جديدة مثل «الروبورتات»، وأن العالم لم يعد يقيس التطور التكنولوجي بالعشر أو العشرين سنة، وإنما بالنسبة الواحدة.
أفاد أن رئيس شركة كبيرة، أخبره يوما بأن شركته كانت تقدم خدماتها في غضون خمس سنوات، لكن اليوم بدأت هذه الشركة تنهي أعمالها للزبناء في سنة واحدة، وهذا يدل على التغيير، الذي حدث في هذا المجال، فالملاحظ أن الشركات حاليا لا تقبل إلا اليد العاملة الكفأة والمتمكنة، على أنها تستفيد من خريجي الجامعات منذ اليوم الأول.
وقارن بين الشركات العملاقة حاليا في العالم بالشركات التي كانت إلى عهد قريب عملاقة، وأوضح أن الشركات الكبيرة والعملاقة اليوم هي الشركات التي تعتمد في خدماتها على الرقمنة وعلى التكنولوجية الحديثة.
وذكر أنه سبقت له لقاءات مع رؤساء شركات، وكان هؤلاء الرؤساء يلاحظون عدم توفر الطلبة خريجي الجامعات على كفاءات تخول لهم المساهمة وتطوير هذه الشركات. وأضاف أن المدرسة أو الجامعة المغربيتين لا يلقنان مبدأ الشك للمتعلمين، معتبرا أنه مبدأ هام من أجل طرح كل الاحتمالات بهدف النجاح في آخر المطاف.
وتحدث عن الذين يقارنون بين أوضاع الأجيال الماضية والأجيال الجديدة، واعتبر أن الأطفال الآن يتميزون بمهارات أخرى غير تلك التي كان آباؤهم يمتلكونها، ويجب الآن أخذ بعين الاعتبار مميزات الأجيال الحالية، وقال إن الجامعة تعاني من مشكل يتعلق بالتنقيط في الامتحانات ولم يعد أسلوب هذا التنقيط ناجعا، ولابد من معرفة مستوى نمو التلميذ بل اعتماد طريقة تقليدية في التقسيم.
وناقش ميراوي جامعة الغد وكيف نكون أجيال المستقبل نحو جامعة 4.0 من خلال الاجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية، لماذا الحديث عن جامعة من هذا النوع، ولماذا الحديث عن أجيال المستقبل ولماذا أيضا الحديث عن التمكين؟ وأن الحديث عن هذا الموضوع، يقود إلى مقاربة عبر السياق الدولي الذي يتميز بالعولمة وبثورة تكنولوجية سريعة، وسياق وطني يتميز بالعديد من العناصر الواردة في الخطب الملكية على أن المغرب يعيش لحظة انتقالية في مسار تطوره.
وقف الخبير في مجال التربية عند الدعوة الملكية إلى التفكير الجماعي في النموذج التنموي الجديد من خلال الخطب الملكية خاصة في دورة افتتاح السنة التشريعية (2018-2017 ) ، حيث قال جلالته: «إذا كان المغرب قد حدد تقدما ملموسا يشهد به العالم، فإن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية». ومن خلال أيضا خطاب العرش 30 يوليوز 2019 : «لقد أبان النموذج التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية ومن التفاوتات المجالية وهو ما دفعنا للدعوة لمراجعته وتحسينه".
وأكد أن الجامعة لم تتوقف أبدا عن التطور، وأن جامعة 4.0 تتميز بتغيير التحديات الحالية إلى فرص، متسائلا عن كيفية تكوين جيل الثورة الصناعية الرابعة وعن الكفاءات المنتظرة لسنة 2030 ، على أن يتم جعل الجامعة منفتحة وموصولة من أجل نموذج «الجامعة الذكية» وجامعة مسؤولة اجتماعيا من أجل مجتمع دامج، وأن العلوم الانسانية والاجتماعية لها مكانة مركزية بجامعة 4.0 وفرصة من أجل تكافؤ الفرص. وذكر أن أغلب الأنشطة القطاعية والبلدان والتخصصات والمهن المطلوبة اليوم كانت لمدة عشر سنوات، إلى خمس سنوات حسب الملتقى الاقتصادي العالمي.
وأوضح، أن 85% من المهن في 2030 لم يتم ابتكارها بعد و65% من الأطفال الذي يلجون الابتدائي اليوم يشغلون مهن معروفة. وأن الجامعة لم تتوقف أبدا عن القيم التعليمية مما يمهد للثورة الصناعية الرابعة وما بعدها.
وفسر كيف تحول جامعة 4.0 التحديات إلى فرص، وأن هذا التغيير يهدف إلى تشغيل الحاصلين على الشواهد، ومن أجل تحديث مهامها الأساسية ومن أجل توقع الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8,5 مليار بحلول 2030 ، أي ما يقارب من مليار شخص مقارنة بعام 2018 مع تركيز عال في إفريقيا وآسيا وأن عدد الطلبة يرتفع بسرعة خاصة بأفريقيا وذلك بنسبة مزدوجة ما بين 2020 و2030
.
وأكد المحاضر على تنويع مصادر تعلم المهارات الأفقية عبر تشجيع التعلم عن طريق التطبيق وخلق محيط سليم وأمن للنمو، إعطاء وقت الاعتراف المناسب، وتمكين الأشخاص من الاستثمار في المؤهلات الشخصية ومواجهات التحديات وتشجيع الاهتمام المتبادل ووضع أهداف واضحة من أجل اكتساب مهارات محددة واعتماد مقاربات براغماتية بالإضافة إلى تشجيع الحس التساؤلي عند التلميذ والطالب، واعطاء الاستقلالية في الاختيار وتقوية القدرة التركيبية والقدرة على استخلاص التناقضات، وتقوية الاحترام والتسامح مع الآخر، وتشجيع الاحساس بالآخر وتقوية المعرفة بالذات وتقوية القدرة على تدبير المشاعر والموازنة بين المرونة والصلابة، والقدرة على التفاوض والتأثير واعطاء الحق في الخطأ واقتراح مشاريع ملتزمة على المدى البعيد وبناء الثقة والقدرة على النجاح واعطاء الاستقلالية في اتخاذ القرار، ودعم الاحترام والتعاون وتثمين الروح الإيجابية وتطوير النظرة النسقية للأشياء وتطوير الضمير الجماعي والمجتمعي وخلق محيط متنوع ومشترك وتشجيع الإحساس الايجابي بالآخر وتقوية المعرفة بالذات.
وقال إن هناك صورة ل«ربو» تناقض والوضع السلبي للإرسال القديم، إنها لا تتوافق مع النظام الذي يفرض نمطا من التفكير القائم على الطاعة، وهذا ما يبرهن على أن العلاقة مع المعرفة تختلف، وأن التكنولوجيا هي جزء لا يتجزأ من حياتهم وأن شكل الدرس المرتبط بالزمن والمكان متجاوز بالنسبة للطلبة في الجامعات الحديثة.
وأفاد أن تعليم 4.0 يهدف إلى تحول في "البراديغم"، من خلال اعادة التنظيم الزماني والمكاني للمتتاليات البيداغوجية، ومن أجل بحث اجتماعي ومتعدد الاختصاصات يأخذ بعين الاعتبار البيئة والمحيط السوسيواقتصادي، آخذين في الاعتبار تقوية الابتكار ومن أجل جامعة مواكبة لحاجيات الجميع واستباقية ومندمجة الثقافة والنتائج، وتقوية أماكن اتخاذ القرار.
وتعتبر جامعة 4.0 آلية رقمية قادرة على التغلب على ظاهرة الاكتظاظ، وقادرة على انتاج أنماط جديدة للاشتغال وانتاج سلوكيات جديدة، باعتبارها جامعة رائدة في مجال التكوين الاقتصادي وفي المجال المدني، وتوجد في موقع مثالي من أجل الاجابة عن الاسئلة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية العامة على المستوى المحلي.
وذكر أن العلوم الانسانية والاجتماعية لها مكانة مركزية بجامعة 4.0 من خلال امتلاك الأدوات اللازمة لدمج قابلية التقنيات الجديدة والحفاظ على توازن المجتمعات، وفهم وقائع جديدة من خلال التعددية، وأن العلوم الانسانية والاجتماعية تتموقع بجامعة الغد كعنصر فاعل في الاختيار، قادرة على معالجة القضايا المتعلقة بالمسائل المعقدة التي تفرضها الطفرات. وأن جامعة 4.0 فرصة من أجل كل الفرص سواء على المستوى الاجتماعي اوالتكنولوجي اوعلى مستوى المسؤولية والحكامة.
وقدم لهذه المحاضرة عضو اللجنة الثقافية لمؤسسة علال الفاسي، مبارك ربيع، بكلمة رحب فيها بالحضور، وأوضح أن هذا اللقاء يندرج في إطار البرنامج الثقافي للمؤسسة (2019 .2020)، وقال إن المسألة التعليمية بكافة أبعادها ومستوياتها تمثل الاهتمام الرئيسي، إن لم نقل الهم الشاغل لكل مغربي، مهما كان مستواه، ومهما كان دوره ومهما كانت مسؤوليته ومهامه الخاصة والعامة.
وأضاف ربيع في كلمته، أن النتائج الحالية الملموسة، ممثلة في زبائن ومرتادي المنظومة التعليمية والتربوية، في تزايد على جميع المستويات، فهناك المقبلون الجدد والذين يلجون لأول مرة في حياتهم المدرسة، وهناك ضحايا الهدر المدرسي، وهناك حاملو شهادات متوسطة، وهناك متخرجو معاهد عليا وخريجو جامعات، وكلهم في غالبيتهم يمثلون معضلة حقيقية من جميع النواحي ويمثل عقبة في سبيل الاقلاع التقدمي والاجتماعي والثقافي، الذي ترنو إليه مطامح المغرب والمغاربة، نحو ما يسمى بالتساكنية المطمئنة، او بالسلم الاجتماعي، حيث تلعب المنظومة التربوية دورا كبيرا في تأسيسه، ويمكن تغيير كثير مما يعتبر انحرافات، أو الخط العام الاجتماعي والسياسي والاخلاقي بالعودة إلى المنظومة التربوية، وإن كان هناك شركاء لها لأن السمة التساكنية الاجتماعية لا تكون أبدا مطلقة أو تامة، بل تكون مجالا للوصول إلى ما هو أرقى. ولا يقبل أن تكون كارثية او متدنية على الأقل، ورغم كل هذه المظاهر التي فيها الكثير من السلبيات فلا يمكن أنكار التقدم الحاصل في هذه المنظومة.
إن المنظومة التربوية، عمرت قرنا إلا ربع، وهناك تقدم وإيجابيات لكن هذه الإيجابيات لا تمثل إلا نصف الكأس المجتمعي، إن لم نقل إنها لا تمثل إلا أقليه، خاصة عندما نستحضر ميزانية تناهز 46 مليارا بما يقابل 6,5 % من الناتج الداخلي الخام، وإذا ما قارنا هذا الأمر بفرنسا التي تنفق 6,5 من ناتجها الداخلي الخام، أو كندا التي تنفق أقل من ذلك ب 5,3%.
ومقابل هذا الانفاق الضخم، بالإضافة إلى المجهود الكبير مجهود الدولة والمجتمع والفرد المغربي، هناك تلك السلبيات المعروفة. إلى جانب ذلك هناك التقارير الوطنية والدراسات الأكاديمية وخاصة التقارير الدولية التي تضاعفت، على أن المنظومة التربوية المغربية في تصنيف أدنى من التصنيف التي تحتله المنظومات التربوية في دول افريقيا جنوب الصحراء، وهي دول فقيرة وفيها الكثير من المؤشرات التي تدل على أنها أفقر من المغرب.
ويمكن استحضار مراحل مفصلية في مسار المنظومة التربوية، بالمغرب لكن المتحصل إيجابي الذي لا يمكن إنكاره، نذكر على الأقل مرحلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ومرحلة البرنامج الاستعجالي والمرحلة الحالية للرؤية الاستراتيجية (2015 - 2030)، وهناك جهود تبدل ولكن يبقى الناتج الحقيقي هو زيادة الفوارق الاجتماعية، والاقتصادية والمعرفية في مجتمعنا. حتى أن الكثير من الانعكاسات السلبية في بعض مظاهر السلوك التي تعتبر من قبيل الانحرافات العامة والخاصة في مجتمعنا يمكن تفسيرها في جزء منها إلى المنظومة التربوية بخصوص مفهوم التعميم، ومفهوم الجودة وتكافؤ الفرص والتواؤم مع متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن أن نطرح سؤالا هامشيا، نتساءل عن المنظومة الاقتصادية المغربية ومكوناتها الوطنية، هل هي مؤهلة لتلعب الدور المنوط بها، في الانفتاح على المنظومة التربوية والتكيف معها سواء في وضعها الحالي أو في وضعها المقبل أم أن المنظومة الاقتصادية الوطنية لها عالمها الخاص في مسعاها للربح والكسب بطريقة أو بأخرى، ويجب استحضار العلاقة بين المنظومة التربوية بكل دقة، وهذا ليس مجالا خاصا أو مخصصا لتحليل المنظومة التربوية ولكن يجب استحضار الإطار العام الذي نناقش في نطاقه.